صلتي بـ "القصص القصيرة" هذا النوع الراقي من الأدب، بدأت عندما كنت أستمع قديماً لبرنامج "قصة قصيرة" في إذاعة لندن التي كانت المصدر الأول للأخبار وللثقافة الحديثة والترفيه أيضاً، كانت هناك مسابقة أسبوعية للقصص القصيرة، ويتم اختيار قصة أو قصتين لقراءتهما في البرنامج، ثم تستضيف الإذاعة بعض الأدباء للمناقشة والنقد الفني للقصص المتقدمة للمسابقة، كنت أندهش أن بعض القصص لا تتعدى أسطراً معدودة ومع ذلك تتضمن معان كثيرة تستغرق ساعات للتفكير فيها، إلا أني لاحقاً في زحمة الحياة لم أحظ بالوقت الكافي لإشباع نهمي وهوايتي في هذا الفن الجميل.. الذي أعتبره فناً وعراً وبحراً عميقاً لا يقدم عليه إلا إنسان عميق الثقافة متميزاً في موهبة السرد والتركيز والإيجاز يمتلك فن التعبير وخزينا كافيا من الكلمات والتراكيب اللغوية، إضافة إلى الخيال الواسع .
الإعلامي والأديب المعروف "محمد مصطفى العمراني" كان معروفاً في الوسط الإعلامي والصحفي بكتاباته السياسية والثقافية.. لكن موهبته القصصية المتميزة لم تظهر للعلن إلا في الفترة الأخيرة.. صدر له أخيراً مجموعته القصصية الرابعة "لصوص ولكن مبدعون " .
في إحدى بوحاته يقول محمد العمراني أن الأدب لا يؤكل عيش في بلادنا، وإلا لكان تفرغ لتأليف وكتابة القصة القصيرة، فهي إحدى هواياته المحببة التي يجد فيها نفسه، وتظهر فيها موهبته المتميزة .
هذه المجموعة القصصية قدم لها القاص والروائي سامي الشاطبي الذي اعتبر أنها تمثل الرقم 200 في المجموعات القصصية التي صدرت في اليمن منذ ظهور هذا الفن فيه أواخر الأربعينات من القرن الماضي .
فن " القصص القصيرة" يتضمن ألواناً عدة من الحكايات المختصرة التي تستمتع بقراءتها، فهناك لون منها شديد الوضوح، يقرأها الإنسان فيفهمها فورا ويستمتع بها، ويصل إلى النتيجة والمغزى سريعاً. وهناك مصبوغ بالغموض والخيال. يحتاج القارئ إلى التوقف قليلاً للتفكير في هذا المشهد القصير أو الحادثة الغريبة أو الحوار الموجز في القصة.. ويترك للقارئ مساحة غامضة في القصة يتأمل فيها ويتخيل.. ويشارك في صياغتها .. ويدعه يستمتع بملء بعض الفراغات .
من حيث المدى والحجم.. هناك قصة قصيرة طويلة المدى .. ومتوسطة المدى .. وفي رأيي كلما كانت أقصر كانت أروع .
تضمنت هذه المجموعة للعمراني ستة عشر قصة، أبرزها :
- قصة "عن الجزمة التي ضربت نجيب الذيب "
- وقصة "لصوص لكن مبدعون "
يقول الأديب سامي الشاطبي في تقديمه لها: "قد تومئ قصص مثل "صنعاء مدينة مفتوحة النوافذ" إلى أجواء الروائي محمد عبدالولي صاحب رواية" صنعاء مدينة مفتوحة" لكنها لا تحيل القارئ إلى مناقشة القضايا التي كان يطرحها عبدالولي وأبرزها قضية المهجر، بل تناقش قضية الظلم والجهل ، بقلم متشكك من أرقى صنف ".
كان القاص محمد العمراني قد قام بنشر ثلاث مجموعات قصصية لكن في العالم الافتراضي في المواقع والصفحات على الإنترنت هي :
في قصته عن البيت الذي يسكنه الخرافة، يختم العمراني القصة بهذا المقطع الذي يصلح لأن يكون قصة قصيرة مستقلة :
" ولبست البذلة وأمي لم تصدقني ، مرت أسابيع ثم أشهر ، تمزقت
الكرة وصارت البذلة بالية وأمي لم تصدق ما قلته .
مرت أعوام، مات الشيخ صديق والدي فتذكرت ما حدث وسألت أمي :
- لماذا لم تصدقي أنني لم أذهب إلى الولي بالسمن والعسل ؟ !
وصعقني جوابها :
- لأن من يسرق نذر الولي يحوله إلى خروف لكنك ما زلت ولد .!! "
تهانينا للعمراني ولكل الروائيين والقاصين في بلادنا بهذا الإصدار المتميز، ونتمنى له ولكل الأدباء في بلادنا التوفيق والمزيد من الإبداع والتميز .