في مأرب جيش جبار ومقاومة شجاعة، وهم مجتمعون، يخوضون معارك ضارية وجها لوجه مع فيلق القدس الحوثي، وفي كثير من الأحيان يتداخل شرر البندقية مع أنفاس المتحاربين.
يستميت الجند أمام زحوف وأنساق الحوثي بشكل أسطوري، ويستبسلون كما لو أن زحزحة أقدامهم قد تصيب دماغ الكون بخلل واختلال يودي بالوجود.
ولعل هذا هو ما جعل المعركة تأخذ شكل الأسطورة الخارقة بعد أن ظن أتباع إيران في اليمن والعراق ولبنان وسوريا، وتوهم أسيادهم في حوزات قُم وطهران، أن حرب مأرب لعبة أو نزهة صيد تتسلى بها أدوات الحرس الثوري.
كل هذا الصمود الخارق والدفاع المستميت عن مارب، لا يقلل من حجم الخطر، ولا يبرر تسويق وبيع الوهم للشعب، ولا تضيف له بطولات الدونكوشيتيين أي قيمة، إذ هو القيمة الأسمى والأجل بذاته ومعناه.
تواجه مارب وحيدة جحافل الجهلة والسلاليين وترسانة جيش وميراث النظام وأنانية القبيلة وأحقاد الأحزاب وتيه النخب وتربص الإقليم وتكنولوجيا الحرب الفارسية وخسة الأصدقاء ولؤم القادة وعجز الحكومة وغياب الرئيس وانعدام الراتب وعدم تكافؤ السلاح، لكن مأرب رغم كل ذلك تمتلك الإيمان بالقضية وكبرياء الكرامة وغضبة الحرية وثبات أعمدة معبد الشمس، وهي أدوات فارقة في معارك اليقين الوطني إلى حد كبير.
لا نجرؤ على الحديث عن المشكلة الخطرة التي قد تضاعف الكلفة لكنها بالتأكيد لا تصل لمستوى الخسارة واحتمالاتها، والمشكلة هنا تتمثل في غياب التكتيك وانعدام القائد الملهم والقادر على ٱلتقاط حمم الغضب والحماس وتحويلها إلى تدفق ميداني ومكاسب ناجزة على الأرض.
لا أشك لحظة في أن مأرب تقوم بدفن المشروع السلالي ومعه مطامع الفرس، وتعمل أيضا على بلورة مستقبل ومصير اليمن بما يليق بتطلعات اليمنيين ومكانة مارب التاريخية، غير أنها وهي تجترح الأمجاد بالتجاسر على جراحها، وتضحيات جيشها وسكانها وأهلها الشجعان، وجهود سلطتها؛ تحتاج أيضا، إلى خطة سريعة تنقلها من خنادق الدفاع والصد إلى صناعة تحولات جديدة وجادة في مسارات وإدارة المعركة بعيدا عن الاسترخاء العسكري القائم، و الوهم الإعلامي المصاحب، وانتظار حكمة الغيب في كتابة النهاية، نهاية الانقلاب الظلامي والغرور والعجرفة السلالية.
من أجل ذلك، يتوجب إعادة النظر بصورة عاجلة في سلوك القادة الميدانيين عديمي الجدوى وفاقدي الحيلة الذين يغلقون تلفوناتهم الخاصة وأجهزة اللاسلكي في لحظات حساسة يكون فيها الجند في فوهة المدفعية وفم الطوفان ويحتاجون للاطمئنان إلى وجود قائد لا أقول يشاركهم المعركة، بل يقف في الخلف يعزز المواقع ويحفز المعنويات.
بالإضافة، لا بد من استدراك الأخطاء، وتلافي الإخفاقات، واستغلال الفرص والثغرات، والحرص على المباغتة والمفاجأة لإنجاز المكاسب وإرباك العدو واستعادة الأرض إلى أقصى نقطة يكون بعدها وضع المدينة مريحا، ويمتلك معها الجيش مساحة للمناورة والتمدد.
يخسر العدو كثيرا في الأرواح والمعدات، لكنه لا يكترث لكل ذلك إذا حقق من خلاله تقدما ملحوظا، غير أن خسارة متر واحد تعني لمارب الكثير وتكلفها أكثر خصوصا أنها تخوض الحرب على جدار الصد الأخير وخط دفاعها الوحيد، وأي اختراق محتمل، قد يحدث خلخلة فائضة أو ينتهي بخسارة عميقة كما حدث في البلق مع القائد الاستثنائي العميد عبدالغني شعلان الذي افتدى مأرب بروحه حين لم يعد أمامه من خيارات إلّا الفداء أو الخسارة والعار، فاختار نهاية الأبطال وبقاء مأرب.
لا تحتاج مأرب إلى مغردين يضخون الانتصارات الخادعة، ويضخمون الوهم، ويكشفون التحركات، ويحولون أحلامهم ورغباتهم إلى خطط عسكرية وتنفيذ ميداني وإنجازات هلامية تنتهي بالصدمة والخيبات، مأرب تحتاج إلى المبادرة والقائد الكبير على المناكفات البينية والمتطلع إلى نهارات الكرامة والمجد والشرف الوطني الساطع والأبدي.