الصراعات على وجة الارض وجدت ما إن وجد الإنسان وهي أشياء فطرية تبدأ بين الأخ واخوة بين العائلة الواحدة بين الأسر بين الحيّ وهكذا حتى تصل بين الدول والأقاليم وبين أقطاب الدول الفاعلة والمؤثرة والمهيمنة على الدول النامية الهامشية والمهمشة دول في الجوانب والأطراف دول منزوعة القرار...!
تختلف أسباب الصراعات ; طائفية دينية عرقية مصلحية توسعية...إلخ. لكن الرابط المشترك بين كل تلك الصراعات هو أن الـمُغذّي والـمـُسير والداعم هو طرف واحد يتمثل بدول المركز أو اقطاب العالم المهيمن اليوم...!
تستمر الحكاية على ذلك المنوال بإستمرار الجهل والتخلف والمصالح الضيقة والنظرة الدنيوية، لنظل مطايا بيد الأعداء وبيادق نسير ولا نُخير، نمضي ولا نعرف إلى أين المسير، نتصارع نختلف يكفر بعضنا البعض ويطعن بعضنا البعض، ونخون بعضنا البعض، وكلاً يدعي الوطنية والقومية والنزاهة والشرف والإيمان والمثالية، وكلاً يرى نفسه أنه على صواب والبقية مخطئون، مع أننا كلنا هوامش لا لزوم لنا واننا مجرد نبرات على حروف في سطور الحكاية فالكاتب متمرس وبليغ ويجيد حبكها وتفاصيل فصولها واشخاصها واحداثها...!
إن ما يحدث في الوطن العربي يحدث في جميع الدول النامية سواءً أكانت في آسيا او افريقيا وكثير من دول امريكا اللاتينية، في المقابل يجب أن نذكر بأن الدول المسيطرة والمهينة هي الدول الـمُحركة لكل تلك الصراعات دول المركز والمتمثلة بأمريكا ودول اوربية عليا، وروسيا والصين (عصابة الأمم)...!
لكن ما يميز الدول في الوطن العربي عن غيرها امتلاكها دين يتوسع، ولغة واحدة لا تخضع، وثروات ظاهرة وباطنة لا حصر لها، وبيئة خصبة ومناخ متميز، هي المركز والوسط، ويدركون أنها لو اعتلت وتعالت وتفوقت لحطمت ورادت وتمكنت، على كل دول العالم، لكنهم أستطاعو بأنفسهم وبمعاولهم وبالخونة من ابناءها أن يجعلوها ملعباً أساسياً لأجراء الصراعات الدولية فيها، وكثرت تلك الأساليب المغذية للنزاعات وأصبح الصراع موروث ومتوارث ينتقل من جيل إلى جيل ومن منطقة إلى أخرى ومن دولة إلى اخرى، حتى تلك الدول التي تظن أنها هادئة ومطمئة وآمنة إنما هي تعيش على الرماد الذي تحته كمٌّ هائل من الجمرِ الملتهب، وما أن يبدأ المسيطرون بتغير أحداث الحكاية حتى تتغير وتنقلب رأساً على عقب..! فلا أحد يظن في الوطن العربي أنه بمنأى عن تلك الأحداث، فالنار في بيت جارك غداً ستلتهم بيتك..!
إذن متى تتغير أحداث الحكاية، عندما تشعر تلك الدول المسيطرة على أن هناك شيء يبرق ويبدو عليه الظهور وقد يبزغ، قادة لهم رؤى وافكار تنموية للنهضة والإستقلال يفعلون ويتفاعلون، إذن يجب أن يخنق ويختفى على الفور عبر ابواقهم الأعلامية والوسائل المتعددة حتى وإن كانت بلسان عربي فصيح، وعبر زرع الأفكار الملوثة بوسائل العولمة ; الإعلام والتعليم والتدريب والمنظمات والجمعيات المدسوسة وكمّ هائل من الأدوات الملوثة..!
متى بدأت الحكاية ; لم تكن وليدة اليوم بل بدأت مع بداية التوسع الإسلامي ومروراً بالحروب الصليبة بين كرٍ وفر، واستمر السجال طويلاً قروناً عديدة، وهكذا حتى سقطت الدولة العثمانية لتكون أخر ورقة على شجرة التوت الإسلامية، واستولت على تركتها بكل أريحية وتم التقاسم، ولكن عاد الصراع فيما بينهم (دول المركز) فحدثت الحربان العالميتان الأولى والثانية وانتهت على تقاسم الهيمنة والسيطرة وكُلاً عرفّ حجمه ومقدار نصيبه من الكعكة ودوره مستقبلاً، لتبتدئ فصول جديدة من الحكاية، كاذب من يقول لك أنه لا يؤمن بنظرية المؤامرة، كاذب كل مدرب لا يؤمن بالتخطيط والتنظيم، كاذب من يقول لك نحن العرب السبب فقط، كاذب من يقول لك أن المسلمين ارهابيون جهلة وأعداء الإنسانية وبتلك الشعارات البراقة ; الحرية والديمقراطية وحرية المرأة وحقوق الطفل، وشعارات جوفاء لا تنتهي لتخنقنا فقط...!
إنما فصول الحكاية المؤثرة في الوطن العربي بدأت بالفعل عندما بدأ الصراع بين العراق وإيران واستمر تقريباً ثمان سنوات كانت الدول المسيطرة او الدول المركزية بما تسمونهم فليكن ذلك، كانت تبيع السلاح لكلا الدولتين وتبيع ايضاً الخدمات اللوجستية لكليهما وكانت تتخابر مع كليهما، وكانت وما زالت توعز لبعض الدول بدعم احد الطرفين كي لا تجعل واحدة تتفوق على الأخرى، حتى يومنا هذا وهو ما يحدث في اليمن، حتى استنفذوا تماماً قوتهما، وكانت في نفس الوقت تغذي الطرفين بالطائفية والقومية وكأنها حرب دينية عربية مقدسة، وكانت النتيجة أتفاقيات غير معلنة بين إيران ودول المركز على أطر ومصالح مشتركة، كما انهم استمروا بأخذ البترول العراقي والثروات تسديداً لتكاليف الحرب الباهضة، وعندما ايقنت العراق أن مخزونها الإستراتيجي كاد يذهب أدراج الرياح اتجهت لغزو الكويت بعدد من الحجج ليبدأ فصل جديد، كان فاصلاً بين الدعم الخفى والظهور الحقيقي وكان غزو الكويت القشة التي قصمت ظهر الجمل، وجلبت العدو بما حمل...!
يجب أن نعترف نحن الأعراب أننا شعوب عاطفيون مزاجيون متفاعلون مع أدني حدث، وبذلك أستطاعت دول المركز تسييرنا كما يشاؤون إعلامياً وضغطاً ووعوداً وتقديم مصالح وعبر شرعيتهم الدولية (عصبة الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة) فأقنعونا أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل وأنه خطر على دول المنطقة والعالم، لكن في الحقيقة العراق بدأت تفهم قليلاً من اللعبة وحاولت الشروع باللعب بثرواتها وعلمائها وبنهضتها، لكن توقفت عند الصفحة الأولى وامام الباب الأول من ابواب دول المركز.. ليعود العراق اليوم إلى ألف عامٍ للوراء وربما أكثر..! ولم نفق من غفوتنا إلا بعد أن سقطت الكثير من الدول..!
وعلى أثر ذلك تحركت الأساطيل والبوراج والقوات بكافة أشكالها للمنطقة العربية وأنشأت العديد من القواعد المعلنة والمخفية الظاهرة والباطنة، لتقول حان وقت التقاسم الظاهر، يكفى عنتريات عربية، كما حدث في 1973 يكفي قرارات وقف تصدير النفط، وقرارات الإعتماد على النفس بالزراعة وتوفير الغذاء محلياً، الآن القرار لنا يجب أن تعطونا لنا لنحميكم فأنتم بدوننا لا شيء، يجب أن تضعوا حداً للزراعة للصناعة نحن سنمدّكم بما تشاؤون، يكفي الولوج إلى عالم التقنيات والبرامج النووية يكفي ويكفي ويكفي وترددت كثيراً حتى أمن القادة أنهم لا يستطيعون فعلاً عمل ذلك، مُستسلمين بما قالوا لهم نحن سنعمل لكم كل شيء وعبر شركاتهم العملاقة أصبحوا يتحكمون بنا، حتى ظلننا مرتهنين بشكل كامل إن لم أبالغ حتى ملابسنا الداخلية صاروا يأخذون القطن منّا، هم من يصنعه ويرسله لنا.. فأي هوان وصلنا له...!
واستمرت الحكاية بمزيد من التغذية لأسباب الصراع داخل الدول العربية، ليستمر التناحر العربي العربي الداخلي تحت عدة مسميات طائفي ديني (سني، شيعي، سلفي، إخواني، صوفي، وهابي، درزي..إلخ) وعرقي (شمالي، جنوبي، قبيلي، بدوي، جلبي ساحلي، مدني، ريفي..إلخ) وحزبي (إشتراكي، شيوعي، ناصري، بعثي، إخواني، علماني، لِيبِراليّ ، تقدمي، يساري، يميني، إلخ) وتحت تلك المسميات كمّ هائل من التناقضات داخلها وفيما بينها والتي لا حدود لها..!
حتى أتت الثورات (ثورات الربيع) التي كنا نظنها وليدة الشعب، لكن الشعب كان مطية بيد دول المركز، كانت تلك الثورات تحمل أهداف عظيمة وطموح بلا حدود وافكارعملاقة لتغيير الواقع ولكن في الحقيقة كانت فقط لتغيير بعض الشخصيات في الحكاية وإدخال شخصيات كومبارس جديدة لتجمل الحكاية، وكانت تلك الطموحات مجرد أحلام وضعهتها ابواق دول المركز لأستجلاب عاطفتنا، ونجحت في ذلك..! وانحرف مسار تلك الثورات إلى أحداث دامية لم تتوقف..!
ولتستمر سيطرتها وهيمنتها ظلت الصراعات والأحداث والأزمات قائمة في تلك الدول، وهي تأخذ كعكها بكل هدوء بل وعلى العكس من ذلك فهي تبيع السلاح وتغذي جميع الأطراف وتجامل هذا وذاك وتدعمهم سراً وفي العلن، لكن نصيبها من الكعك مُستمر ولا يهمها من يحكم الآن او غداً لكنها تعرف أنه لن يخرج عمَّا له رُسم...؟
وما زالت الصراعات مستمرة في العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان وتونس والصومال ولبنان والبقية في صراعات خفية مصر والجزائر والمغرب ومورتانيا والاردن ودول الخليج متى ما أراد المخرج أن يخرجها للسطح لعمل ذلك (النار تحت الرماد) لكل من يحاول أن يأخذ من الكعك ويخرج عن السيطرة عبر افكار ورؤى المهم قل ما شئت لكن نحن هنا من يفعل...!
إن ما يحدث في اليمن وسوريا على وجه التحديد صراع عميق وعقيم في نفس الوقت سينتهى عندما تنتهى معالم التقسيم النهائي للكعك اللامع، فتلك الدولتنان تمتلكان من الثروات التي لا حصر لها، وهناك من يفهم من كلا الشعبين بما يدور خلف الكواليس وسرّ من أسرار الحكاية، لكن المحرك والدينمو للأحداث مُسيطر ليجعل من ذوي الفهم المحدود ومن ذوي المصالح الضيقة الجهلة ذوي الأفكار والعقول المحدودة المتحجرة النائمون على الدوام الذين يمشون كما يقال لهم حرفياً دون همسة إستفسار او عتاب، هم قادة تلك الدول والذين هم بدورهم مستمرون بتجنيد الجهلة والمعوزين ومن على شاكلتهم إلى محارق الموت بإسم الحق الدستوري أو الحق الإلهي والشرعية أو الجمهورية او التوجيهات الإلهية او الجهاد والنفير المُقدس وتوفير الخدمات ومجانيتها، او بإسم هذه السلالة او تلك بين الاخوة وابناء الوطن الواحد (أَسَدٌ عليَّ وفي الحروب نعامة) بعناوين براقة مختلفة لا حصر لها لتقود الجهلة والأطفال سناً وعقلاً إلى المهالك، فهل يعلمون أولئك المتحاربون أنهم دُمي بيد الأعداء، لتستمر الدول المسيطرة على الأحداث العالمية بتدوين الحكاية مسبقاً...!
الحلّ يكمن في تحكيم العقل والمنطق، الحلّ يتمثل في الإعتماد على الذات في توفير الغذاء وهذه هي الخطوة الأولى للإنطلاق وإستصلاح الأراضي وزراعتها، ثم الإنتقال إلى الأستخدام الأمثل للموارد، والتقاسم الشريف للثروات والسلطات، لكل فئات الشعب ودعم البحوث في كافة المجالات العلمية والمدنية والعسكرية والتقنية وبناء جيش قوي، فلقد أثببت الأيام أنه مهما تقدمت واستخدمت انواع الأسحلة المختلفة، يظل الجندي على الأرض هو محور السيطرة والحسم ومن ثم النصر...!
إزالة الفوارق الإجتماعية والتعامل مع ابناء الوطن بالسواسية والتبادل السلمي للحكم، وقبل كل ذلك وضع إستراتيجات منظمة وأهداف محورية حالية ومستقبلية لكل تلك الخطوات، مع وضع ميثاق شرف لكل مهنة في كل دولة من بنود لا يمكن التنازل عنها والإستهانة بها في حق الوطن وحق الفرد وحق الجماعات المختلفة وعدم النيل منهم، بالتزامن مع وضع منهج تعليمي مبني على أسس علمية في المساواة وفرص النهوض والتقدم.
حتى ننتقل من دول على الهامش إلى دول فاعلة على الأقل معتمدة على نفسها، قادرة على إدارة شؤونها متصالحة مع نفسها ومع من حولها الأقليمي والدولي، يجب أن تقف الصراعات العربية العربية، والعربية الإسلامية، ابحثوا عمن يريد التفرقة وتغذيتها تارة بالشعارات وتارة بالمقاطعات وتارة بإثارة النزاعات والخلافات وتوزير الحقائق والتأريخ وتغريد الحثالات وخلق المشاكل ستجدون انه بيادق في ملعب الأعداء مُسيرون لغرس الفرقة وزعزعة الأستقرار وتوفير حدث جديد للحكاية...!
أنا مؤمن بأن الظلم لن يستمر وأن تلك الدماء المنهمرة هنا وهناك في بقاع الأرض المختلفة، لن يخفى الثرى أثره، وأن الله صبور ولكنه شديد الإنتقام، ولن تظل تلك الدول الـمُسيطرة مُهيمنة طوال الوقت، أتوقع حدوث شيئين في القريب إما صراع بين دول المركز نفسها كما حدث في الحروب العالمية السابقة، او ظهور قوة جديدة تستحق الكل لتعيد السيطرة وتقاسم الكعكة ,اصول اللعبة، والاخطر حدوث كوراث تعيد هيكلة العالم بأسره...!
لكن الحلّ في المنطقة العربية يكمن في تكوين تحالفات عبر حوارات جديةّ على أطر واضحة، يجب أن نتفق فيما بيننا ولكل دولة الحق في ثرواتها وقراراها وعدم تدخل الغير في شؤونها الداخلية، فهناك الكثير من القواسم المشتركة بين الدول العربية مهما حاول الاعداء تحريفها، إن هذه التحالفات ستعيد لنا وضعنا وقرارنا، تحالف عربي عربي، ومن ثم عربي تركي إيراني أولاً، وفي الأخير تحالف إسلامي عالمي، لن يتحقق ذلك إلا عند اليقين في قيادتنا ومن بيدها زمام الأمور بأن هذه الدنيا فانية وأن ما سيبقى في سجلك هو الأبقى، وما سيدونه التأريخ مُضيئاً سيقراً، وأنك حين تقتل أخاك ستلعنك الأرض والسماء، نحن بحاجة إلى شجاعة وثقة وتبادل رؤي وتقاسم مصالح وتنازل للوصول لتلك التحالفات، نحن بحاجة إلى معرفة حجم الكعك اللامع لدينا، ومعرفة ما ستؤول إليه بلداننا إن أستمرينا بخلافاتنا ونزاعاتنا لبعضنا البعض سنفني وسليعن التأريخ حاضرنا وماضينا، إن لم تتفق أمتنا حينها الذاكرة ستفقدنا في التقدم العلمي والثقافي والحضاري، بل وسنعود لمئات السنين إلى الوراء، تحالفنا هو السبيل لريادتنا ومجدنا وردع عدونا، نحن أبناء هذه الأمة جميعًا مطالبون بأن نطمس خلافاتنا ووقف الفوضى الفكرية والعرقية وتوحيد الجهود والكلمة بكل إخلاص لأمتنا وقوميتنا لمواجهة ما لحق بعروبتنا من تراجع وإخفاق وتشضي وتناحر بكل قوة وجرأة وشجاعة يجب أن يعكف الجميع على وضع رؤي كاملة وشاملة لتعيد هيكلة وبناء وصياغة أفكار لنهوض امتنا في معركة الوعي لنحميها من التسلط والتقليل والتقسيم والإبتزاز والتغريب والتفريط والتنفير على الجميع أن يغرس ذلك بما يستطيع فى جميع مناحي الحياة المختلفة وفى المناهج الدراسية ليدرك جيلنا وأبناؤنا وبناتنا كيف كنا واين نحن الآن وإن أتحدنا وتحالفنا أين سنكون...!؟