نتابع في هذا المقال الحديث حول كيف نظم الإسلام الجندية وبنى الجيوش على أسس متينة كانت البداية البناء والإعداد المتقن للفرد والصف والضابط والقائد ومن ثم الجيوش .
أعد الإسلام قوانين عملية للإعفاء من العسكرية، وإعلان الحرب، والدعوة الى الجهاد، وتطهير الجيش وأساليب القتال وقضايا الكتمان والهدنة والصلح والأسرى والمحافظة على العهود وغيرها،
فقد حصر الإسلام أسباب الإعفاء من العسكرية في الضعف ويشمل :
المرض والعجز والشيخوخة وعدم القدرة على الإنفاق، قال تعالى:" ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ". وقد نصت الآية على عدم القدرة على الإنفاق لأن الجندي كان يلتزم في ذلك الوقت بنفقته وأدوات حربه، وقد زال هذا السبب الآن .
وحذر القرآن الكريم من انتهاز فرصة غفلة العدو المعاهد وأخذه على حين غرة غدرا، قال تعالى:" وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين "، فتطلب الآية الكريمة طرح العهد عند توجس الشر من العدو، وتطلب أن يكون هذا النبذ صريحا .
وحذر الإسلام من التباطؤ في تلبية داعي الجهاد والتثاقل عنه. قال تعالى:" يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم الى الارض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة الا قليل، الا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا، والله على كل شيء قدير ".
وأمر بتطهير الجيش من عناصر الفتنة والخذلان، وأيضا من الذين يختلفون عن افراده بالعقيدة، حتى يكون الجيش كله مؤمنا بعقيدة واحدة، يعمل لتحقيقها، ويبذل كل ما يملكه في سبيلها، وبذلك يستطيع الفوز في الحرب، قال تعالى:" ولو كانوا فيكم ما قاتلوا الا قليلا ". وقال:" ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين، لو خرجوا فيكم ما زادوكم الا خبالا ولا وضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم ".
ونظم الإسلام المواضع الدفاعية موزعا المقاتلين عليها، قال تعالى:" وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال ".
وابتكر الإسلام أسلوبا جديدا في القتال لم تكن العرب تعرفه من قبل هو أسلوب رص الصفوف، إذ كانت تقاتل بأسلوب الكر والفر، قال تعالى:" ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا ". ويطلق اسم هذا الأسلوب من القتال على سورة من سور القرآن الكريم، هي سورة الصف .
ويحذر الإسلام من إذاعة الأسرار العسكرية ويجعل إذاعتها من شأن المنافقين، ويطالب المؤمنين بالرجوع الى القيادة العامة، كما يطالبهم بالتثبت مما يصلهم من أنباء قبل الركون اليها والعمل بها، قال تعالى:" لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها الا قليلا "، وقال تعالى:" وإذا جاءهم امر من الأمن أو الخوف اذاعوا به ولو ردوه الى الرسول والى أولي الأمر نهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ".
وأمر الإسلام بتلبية دعوة السلم ووقف الحرب إذا طلبها الاعداء، وظهرت منهم علامات الصدق والوفاء، قال تعالى:" وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم، وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله ".
وخير الإسلام القائد بين أن يمن على الأسرى ويطلقهم من غير فدية أو مقابل، أو يأخذ منهم الفدية سوأ كانت مال أو رجال (تبادل أسرى مثلاً) وذلك حسب اقتضاء المصلحة، قال تعالى:" فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء ".
وحث الإسلام بصورة خاصة على المحافظة على العهود، وأوجب الوفاء بها، وحرم الخيانة فيها، والعمل على نقضها، وارشد الى أن القصد منها إحلال الأمن والسلم، محل الاضطراب والحرب، وحذر أن تكون وسيلة للاحتيال على سلب الحقوق والوقيعة بالضعفاء، قال تعالى:" وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون، ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة ".
هذا غيض من فيض مما جاء في القرآن الكريم من آيات كريمة لتربية الجندي المسلم فردا ولترتيب وتنظيم الجيش جماعات .
ومما ذكرنا يتضح أن الجندي المسلم لا يكذب ولا يسرق ولا يزني ولا يخون ولا يغش ولا يتجسس على جيشه، يخلص لواجبه أعظم الاخلاص، وينسى نفسه في سبيل المصلحة العليا للمسلمين، يتجلى بالضبط المتين، فيطيع الأوامر وينفذها بأمانة وإخلاص واندفاع، يصبر في البأساء والضراء وحين البأس، ويتحمل المشاق العسكرية صابرا محتسبا، يتصف بالشجاعة والاقدام، ويثبت في الميدان ولا يفر أبدا، ولا يولي يوم الزحف، حذرا يقظا، لا يستهين بعدوه، يجاهد بماله وروحه في سبيل الله، ولا يتخلف عن الجهاد مطلقا .
لعلنا نتوقف هنا ونتابع الحديث حول الموضوع في المقال القادم ان شاء الله .
في أمان الله