حين نقرِّر أن نكون سعداء فلن تستطيع الرياح العكسيَّة أن تمحو قرارنا مهما كانت حدتها، السعادة مرهونة في المبادرة الايجابية للفرد والجماعة، وعدم السماح للسلبية أن تغزو حياتنا.
السلبية تصور ان السعادة مجرد مخزون مادي ينضب كلما أخذت منه، والايجابية تضع السعادة خبرة منبثقة من فكرة الحياة تزيدها وهجا كلما عشناها أكثر
إذا الحياة هي فكرة نكتسب منها خبرات رائعة (وعي)، نعيش سعدا إذا حافظنا على ميزان الفكرة في حياتنا، ونعيش تعساء إذا تهنا في دوامة الأحداث، وتعظيم الافراد، تهنا في المشاكل بسلبية دون أن نقدم حلول ناجعة.
تقييم الناس مرهون بميزان افكار النظام والقانون، والحق والباطل، والعقد الاجتماعي المتفق عليه، التقييم خارج هذا العقد هو مصدر بؤسنا، المصابون بالسلبية، لهم قانونهم ونظامهم الخاص، يرغبون في الخوض بالأحداث بسلبية، واتهام الناس وتكفيرهم وتخوينهم خارج العقد الاجتماعي، وفق شكوك وتوجس السلبية لديهم، يندفعون للكراهية والأحقاد والثارات والضغائن والفجور في الخصام، فتجدهم يفتقدون القدرة على التسامح والتصالح، والإنسانية والوطنية.
الايجابية هي الحفاظ على الفكرة، ووعي متراكم من خبرات، يستطيع فيها الانسان ان يكون أكثر تسامحا، وأكثر انسانية ووطنية، يمتص غضبة ويحتمل المه، اقوى من كل الاحداث والمواقف ثابت الأفكار والقيم والمبادئ، مدافع صلب عنها.
واقعنا اليوم البائس بسبب السلبية المتوغلة في معظمنا، ممن كفروا بكل فكرة جميلة في الحياة والعلاقات، سلبيين يبثون روح السلبية القاتلة لتلك القيم والأفكار في الوسط الاجتماعي والسياسي، مدمرين ما تبقى من افكار جميلة، والدفع لبدائل كارثية، .302وتناقضاتنا السلبية تقتلنا في كل ساعة ويوم.
بالسلبية تخلى هذا البعض عن هويته، وكفر بأفكاره وقيمه ومبادئه، وصار اليوم يدعو للعنف، الديكتاتورية، والعمالة، والارتهان لأعدائه التاريخيين.
لدينا ثراء من الخبرات الإنسانية والوطنية، أفكار رائعة، افشلتها الأحداث، والعقول العظيمة تنظر للأفكار، بينما العقول العادية تنظر للأحداث، والعقول الصغيرة تنظر للأفراد، وتهنا بين عظمة وتواضع وصغار العقول، بين ايجابية وسلبية قاتله.
الجمهورية والديمقراطية والتعددية والوحدة، أفكار رائعة، تدعو للحرية والعدالة والمواطنة، والتبادل السلمي للسلطة ونزاهة إدارة الثروة، صحيح أن أحداثها كانت بعيدة عن جمال وسمو الفكرة، أحداث نحن صنعناها سلبياتنا، ولماذا الكفر بها، ونحن سبب إفشالها؟ والمؤسف أن بدائلها كارثية بؤسا وتعاسة.
التخلي عن الفكرة لصالح الأحداث، يقتل لدينا كثيرا من القيم، فتمر الجرائم والقتل والانتهاكات امامنا مرور الكرام دون ان تحرك ضمائرنا، وتشكل راي عام ينصف الضحايا، لأننا نراها من وجهة نظر الأحداث، لا من وجهة نظر الفكرة كقيمة ومبدأ.
الوحدة كفكرة، قوة وتلاحم واخاء ومودة وتراحم، أحداثها اسأت لها، والكفر فيها اليوم، يدفع لبدائل أكثر إساءة، النتيجة واقعنا البائس.
الدين نفسه، فكرة رائعة، لا يمكن لحدث مسيء من شخص او جماعة لم يصل بعد لمستوى وعي لفهم الدين، ان يجعل الناس يكفرون به.
الكفر بالدين جريمة بنص القرآن الكريم، والكفر بالقيم والأخلاقيات جريمة يعاقب عليها العقد الاجتماعي والشرع، فديننا الاسلامي يدعو للوحدة والتأخي والسلام والتسامح والتصالح والشورى والحكم الرشيد، ويحرم دم المسلم على أخيه المسلم، والفتن والكراهية والضغائن والثارات، فاين نحن من هذا الدين؟
كلها قيم وأفكار جميلة ورائعة، ندمرها بسلوكياتنا وسلبياتنا، ونصنع احداثها بأيدينا، او نعجز عن حمايتها، ثم نصرخ ونتألم، وننتحر سلبيا، ولبدائل كارثية، كنكران الهوية، والارتماء الارتهان والعمالة، والتسليم للخارج بالسيادة والقرار والارض والعرض، والله المستعان.