إن الجرائم التي ارتكبتها مليشيا الحوثي بحق الجمهورية اليمنية تصنف جرائم عسكرية صرفه، وجرائم مختلطة، وجرائم حرب التي تضمنتها نصوص القسم الخاص من قانون الجرائم والعقوبات وقانون الجرائم والعقوبات العسكري، فالجرائم المتعلقة بأمن الدولة يعاقب عليها قانون الجرائم والعقوبات العام، خلافا لجرائم الحرب التي يعاقب عليها القانون العسكري حصرا.
نجد أن المشرع أخضع لاختصاص القضاء العسكري جرائم عسكرية وجرائم عادية مختلطة التي تقع أثناء الحرب، وكان من شأنها المساس بأمن ومصالح الوطن والقوات المسلحة، أو التي تقع في الأماكن العسكرية أو على أشياء (معدات عسكرية)، وجعل العبرة فيها المساس بالمصلحة العسكرية وفقا لنص الفقرتين (أ ، ب ) المادة الرابعة من قانون الجرائم والعقوبات العسكري.
فمليشيا الحوثي تحاكم عن جرائم عسكرية وجرائم حرب وجرائم أمن الدولة وأهمها إثارة الحرب والعصيان المسلح، وتشكيل عصابات مسلحة بغرض الانقلاب على نظام الحكم، بصرف النظر عن صفة مرتكبها، سواء كان عسكرياً أو مدنياً، فجميعها تكون من اختصاص القضاء العسكري، بسبب ارتباطها بالنوع الأول من الجرائم، يؤيد هذا القول قضاء محكمة النقض المصرية، باختصاص القضاء العسكري بنظر واقعة المنصة الشهيرة، تأسيساً على أن الجرائم التي وقعت ورتبت آثارها الجنائية في منصة العرض، والتي لا تستخدم إلا بمعرفة القوات المسلحة، ولصالحها في المناسبات العسكرية، فركوب المتهمين سيارة عسكرية، أي: أنها وقعت في إحدى المركبات التي تملكها القوات المسلحة.
وبالتالي فإن قانون العقوبات العسكري هو القانون الواجب التطبيق حين يكون الجناة من الأشخاص الذين يخضعون لأحكامه وبتطبيق قانون الجرائم والعقوبات العسكرية رقم 21 لسنة 1998م، ونصوص جرائم الحرب، بمجرد خروج الجماعات المسلحة ( المليشيات ) وارتكابهم جرائم عسكرية أو جرائم أمن الدولة وجرائم حرب يجعلهم خاضعين لقانون الجرائم والعقوبات العسكرية كون القانون العسكري هو القانون واجب التطبيق، والقضاء العسكري هو القضاء المختص بنظرها والفصل فيها، فالمشرع اليمني لم يوسع اختصاص القضاء العسكري ليشمل كافة الأشخاص المسؤولين فيما يخص ارتكاب جرائم الحرب، بل قصر ذلك الاختصاص فيما يخص جرائم الحرب ونطاق التجريم فيه متى وقعت تلك الأفعال من الأشخاص الذين يخضعون للقانون العسكري طبقا لنص المادة (21) من قانون الجرائم والعقوبات العسكرية، فمن هم الأشخاص الخاضعون للقانون العسكري؟.
تحدد المادة الثالثة من قانون الجرائم والعقوبات العسكرية رقم 21 لسنة 1998 م الأشخاص الخاضعين للقضاء العسكري، ذكر عدة حالات ما يخصنا هنا على سبيل الحصر مصطلح (أسرى الحرب)، فهل ينطبق هذا المصطلح على مليشيا الحوثي المسلحة؟
أسير حرب هو مصطلح في القانون الدولي الإنساني وفي شرائع أخلاقية أخرى يشير إلى مكانة المقاتل في جيش نظامي الذي وقع في أيدي عدوه، حسب القانون الدولي الإنساني، الذي تطور تدريجيا منذ 1863، يتضمن تعريف أسير الحرب ومكانة أسير الحرب وحقوقه الخاصة التي يتمتع بها الأسير مثل عدم محاكمته، عدم تعرضه للتعذيب، تلاقي علاج طبي كامل، الاستعانة بمنظمة الصليب الأحمر الدولية لمراقبة حالته الصحية وللاتصال بأقربائه وغيرها من الحقوق.
هل مليشيا الحوثي تخضع لمفهوم أسير حرب؟
حسب ميثاق جنيف الثالث من 1949، والمادة (3) المشتركة في الاتفاقيات الأربعة وضحت أسير الحرب هو مقاتل شرعي وقع في أيدي عدوه عاجزا عن القتال أو مستسلما. ويضم مصطلح "مقاتل شرعي" حسب هذا الميثاق على كل من العناصر التالية:
جندي في جيش دولة معترف بها، جندي في جيش لكيان سياسي يدار كدولة عضو في مليشيا لا تخضع لأي دولة أو كيان سياسي بشرط أن تكون لها المميزات التالية: قيادة مسؤولة عن أعضاء المليشيا، أزياء خاصة أو شعار يمكن ملاحظته في ساحة المعركة، يحمل أعضاؤها أسلحتهم علنا، تلتزم بالمواثيق الدولية، مدني أمسك بسلاح للدفاع عن بلده من عدو يتقدم تجاهه دون أن يكفي له الوقت للتجنيد.
وحسب هذا التعريف فإن المليشيات المسلحة لجماعة الحوثي لا يتم اعتبارهم أسرى حرب إن تم إلقاء القبض عليهم، ويصنفون متمردين عصاة مسلحين ولا يعاملون معاملة الأسير.
التعامل مع أسير الحرب
تفرض المعاهدات الدولية أن يلقى أسير الحرب معاملة إنسانية وذلك منذ القبض عليه حتى الإفراج عليه أو عودته إلى وطنه، وتحظر المعاهدات الدولية تعذيب أسرى الحرب، كما أنها تنص على أن يطلب من أسير الحرب اسمه وتاريخ ميلاده وحراسه ورقم الهوية العسكرية، وهو ما تنص عليه اتفاقية جنيف الثالثة، كما تشترط المادة 26 من الاتفاقية احترام عادات وتقاليد أسرى الحرب، يجب أن يزود أسرى الحرب بلباس لائق، ويكون هذا الزي خاصاً لأسير الحرب، فأولا أسرى الحرب بشكل عام جنود، ولا بد أن يكونوا مرتدين بزّات، فارتداء أسير حرب لزي مدني يعني أنه مدني وليس أسير حرب، كما أن احتمال فراره يتزايد، ويحق لأسرى الحرب حسب المادة الثانية والسبعين من اتفاقية جنيف الثالثة إرسال رسائل إلى وطنهم، بمعنى أن يكون النزاع دوليا بين دوله وأخرى، وفي حال عدم احترام أسير الحرب لقوانين المعسكر فإن اتفاقية جنيف تتضمن عدة بنود في خصوص معاقبة أسرى الحرب، خلاصة ما تقدم لا تنطبق تلك المواثيق لإضفاء مصطلح أسير على مليشيات الحوثي.
فالاختصاص بمسؤوليتهم عن جرائم الحرب التي تكون قد وقعت ومن شارك معهم أو قدم لهم مساعدة سابقة أو معاصرة أو لاحقة خضوعهم للقضاء العسكري بالنسبة للجرائم التي تخضع لاختصاصه، ومن المهم أن يكون وضعهم مساويا للأحكام المقررة للمدنيين الخاضعين لهذا القانون، حسب نوعيه الجرائم المصنفة.
مساءلة الجماعات المسلحة
بشأن جرائم الحرب على الأشخاص الخاضعين للقانون العسكري على نحو ما تقدم حول إجراءات مساءلة القوات المسلحة المنشقة والجماعات المسلحة (المليشيات)، وبصريح النص فإن الوضع القانوني في الاتفاقيات الدولية للجماعات المسلحة التي تكون في نزاعات مسلحة داخلية ضد الدولة كالتالي:
تُعرّف النزاعات المسلحة غير الدولية من خلال المادة الأولى (1) من البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 المتعلق بالنزاعات المسلحة غير الدولية بأنها :” جميع النزاعات المسلحة التي تدور على أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة بين قواته المسلحة ،وقوات مسلحة منشقة أو جماعات نظامية مسلحة أخرى تمارس تحت قيادة مسؤولة السيطرة على جزء من إقليمه، بحيث يمكنها ذلك القيام بعمليات عسكرية متواصلة ومنسقة، وبحيث تستطيع تنفيذ هذا البروتوكول، وتشير مبادئ التعاون الدولي في تعقب واعتقال وتسليم ومعاقبة الأشخاص المذنبين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ،أيا كان المكان الذي ارتكبت فيه، موضع تحقيق، ويكون الأشخاص الذين تقوم دلائل على أنهم قد ارتكبوا الجرائم المذكورة محل تعقب وتوقيف ومحاكمة، ويعاقبون إذا وجدوا مذنبين، لكل دولة الحق في محاكمة مواطنيها بسبب جرائم الحرب أو جرائم ضد الإنسانية.
تتعاون الدول بعضها مع بعض، على أساس ثنائي ومتعدد الأطراف، بغية وقف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والحيلولة دون وقوعها، وتتخذ على كلا الصعيدين الداخلي والدولي التدابير اللازمة لهذا الغرض، تؤازر الدول بعضها بعضا في تعقب واعتقال ومحاكمة الذين يشتبه بأنهم ارتكبوا مثل هذه الجرائم، وفي معاقبتهم ويقدم للمحاكمة الأشخاص الذين تقوم ضدهم دلائل على أنهم ارتكبوا جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، ويعاقبون إذا وجدوا مذنبين، وذلك كقاعدة عامة في البلدان التي ارتكبوا فيها هذه الجرائم، وفي هذا الصدد، تتعاون الدول في كل ما يتصل بتسليم هؤلاء الأشخاص.
وهكذا تقضي أيضا (القاعدة 151) من القانون الدولي العرفي بمحاسبة الأفراد جنائيًّا عن جرائم الحرب التي يرتكبونها، كما تقضي (القاعدة 152) بتحميل القادة وغيرهم من الزعماء المسؤولية الجنائية بالتساوي عن جرائم الحرب التي ترتكب نتيجة لأوامرهم. فالملاحظ أن لكل دولة الحق في محاكمة مواطنيها، بسبب جرائم الحرب أو الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، وأن الأصل أن هذه المحاكمة تتم في البلدان التي ارتكبوا فيها هذه الجرائم، ومن ثم فإن المنشقين عن القوات المسلحة أو تلك المليشيات يصنف وضعهم القانوني بأنهم في نزاع مسلح داخلي كطرف ضد الدولة، فهم ملزمون بالامتثال لأحكام القانون الدولي الإنساني الواجب التطبيق على النزاعات المسلحة غير الدولية، ويكون الأشخاص الذين تقوم دلائل على أنهم قد ارتكبوا جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية محل تعقب وتوقيف ومحاكمة أمام القضاء الوطني في بلدانهم، وبالتالي فإن مليشيات الحوثي لا يحق لهم حتى الحصول على وضع المقاتل، أو وضع أسير الذي يكفله القانون الدولي الإنساني، فهذا يجعلهم عرضة للمحاكمات أمام القضاء الوطني اليمني بملاحقتهم قضائيا عن الجرائم الأخرى التي ارتكبوها بمجرد حمل السلاح والاشتراك معهم التي ثبت ارتكابهم لها والجرائم التي تولدت بسبب حملهم السلاح ضد الدولة.
ومن ثم تظهر المسألة واضحة في وضع جماعات الحوثي المسلحة التي تكون في حالة نزاع مسلح ضد الدولة كونهم سيخضعون لأكثر من نص قانوني، وبالتالي تطبيق الأثر القانوني بشأن تعدد الجرائم التي وقعت منهم، وينظر القانون الدولي إلى طبيعة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بأنها جرائم مستقلة بذاتها خلافا لجرائم أمن الدولة الداخلي والخارجي يخضعون كذلك بسببها للمحاكمة أمام القضاء الوطني ولا تخضع للتقادم ولا للعفو عنها من قبل الدولة عند القدرة عليهم، ووفقا لذلك ينبغي عدم الخلط بينها وبين الجرائم الأخرى كونهم جماعات مسلحة (مليشيات) يتم محاكمتهم أمام المحاكم الوطنية عن تلك الجرائم في مواجهة الدولة وعدم التغاضي عن تلك الجرائم لضمان تحقق الملاحقة القضائية.
جرائم عادية خاضعة للقضاء العسكري
وهي الأفعال التي ترتكب ضد المواقع أو الاشياء العسكرية، ويخضعون فيها للقضاء العسكري وفقا لأحكام المادة الرابعة من قانون الجرائم والعقوبات العسكرية التي تنص على أنه تسري أحكام هذا القانون على كل من يرتكب إحدى الجرائم التالية:
الجرائم التي تقع في القواعد أو المعسكرات أو الثكنات أو المؤسسات أو المصانع أو السفن أو الطائرات أو المركبات أو الاماكن أو المحلات التي يشغلها العسكريون لصالح القوات المسلحة.
الجرائم التي تقع على معدات ومهمات وأسلحة وذخائر ووثائق وأسرار القوات المسلحة، هذه الجرائم من المتصور أن يرتكبها العسكريون والمدنيون، وقد نحا المشرع اليمني منحى المشرع المصري بإخضاعها لاختصاص القضاء العسكري، وسبب إخضاع هذه الجرائم للقضاء العسكري، لأن هذه الجرائم تمس أمن وسلامة ومصالح القوات المسلحة أيا كان مرتكبها، فالقوات المسلحة أولى بمحاسبة من يتعدى على أمنها وسلامتها، وسرعة الإجراءات المتبعة في المحاكم العسكرية يحقق الردع العام، لتعلقها بشؤون عسكرية، ومن اللازم أن نوضح أن الأماكن الوارد ذكرها في الفقرة (أ) هي إما أماكن عسكرية بطبيعتها، أو أماكن عسكرية بالتخصيص، ويتبين من نص الفقرة (أ)أنه يتعين للإقرار باختصاص القضاء العسكري، أن يكون شغل العسكريين لهذه الأماكن لصالح القوات المسلحة، لأن الغاية المخصصة لها هذه الأماكن هو المصلحة العامة العسكرية، وهدف المشرع في الفقرة(ب) من تلك المادة، هو مد اختصاص القضاء العسكري، كما يشمل الجرائم التي تقع على أسرار القوات المسلحة ولو لم تتضمنها وثائق، وذلك لـ:
أولاَ: أن القانون الدولي ظهر واضحا بأنه لا يحظّر المحاكم العسكريّة، لكن وكما هو الحال مع أي محكمة أخرى، يجب أن تتوافق اختصاصات المحاكم العسكريّة مع المعايير الدّولية للمحاكمة العادلة، ولا مجال لإثارة الجدل حول مسألة اختيار المشرع اليمني المحاكم العسكرية، وحصر الاختصاص لها بجرائم الحرب دون غيرها من المحاكم المدنية.
ثانياً: أن التشكيلات للمحاكم والنيابات العسكرية تتم وفق حركة قضائية تصدر عن مجلس قضاء واحد هو المجلس المعني بالمحاكم والنيابات العسكرية والمدنية، وأن كافة التعيينات وشروط الترقية والحصانة القضائية واستقلالية القاضي هي واحدة مثلهم مثل زملائهم من غير العسكريين، وأن الأحكام القضائية الابتدائية الصادرة عنهم تخضع للطعن فيها أمام محكمة عسكرية استئنافية تقبل أحكامها الطعن فيها أمام المحكمة العليا التي هي محكمة واحدة في الجمهورية وتراقب هذه المحكمة امتثال المحاكم للقانون وفق الأصول القانونية المقررة دونما فرق بين الوضع في المحاكم العسكرية أو المحاكم الجنائية العادية، وليس هنالك من فرق ذي أهمية بين القضاء العسكري والقضاء المدني سوى أن أعضاء النيابات والمحاكم العسكرية هم من ضباط القوات المسلحة والأمن، وأنهم يتبعون عسكريا الوزير، وهذا الوزير هو من يقترح تعيينهم في القضاء، كل حسب صفته العسكرية إما وزير الدفاع أو وزير الداخلية، وذلك بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى، وهو ما ذهب إليه مجلس القضاء الأعلى بإصدار قرار بإنشاء وتفعيل القضاء العسكري بشقيه المحاكم والنيابات وتسمية أعضائه، وهو يستوجب الوقوف حول عرقلة سير عمل النيابات والمحاكم، وعدم تمكينهم من أداء مهامهم القضائية، وصرف مرتباتهم ونفقاتهم التشغيلية دون انتقاص أو مطالبة بما يحفظ هيبتهم واستقلاليتهم.
الاختصاص الإقليمي والدولي
وعن مبدأ الاختصاص الإقليمي لم ينظم قانون الإجراءات العسكرية هذا الجانب بل أنه أحال ما لم يرد فيه نص في هذا القانون يرجع بشأنه إلى قانون الإجراءات الجزائية للقضاء العادي، وإن هذا الاختصاص الإقليمي ورد شاملا لكل أوجه الاختصاص.
وفيما يتعلق بالاختصاص الخارجي يجب توضيح التالي:
القانون اليمني لم يأخذ بالاختصاص الشخصي السلبي، ويعني تطبيق قانون العقوبات الوطني على كل جريمة يكون المجني عليه فيها وطنيا ولو كان مرتكب الجريمة أجنبيا ارتكبها خارج إقليم الدولة.
لم يشترط في الجرائم الخاضعة لمبدأ العينية ازدواجية التجريم، فيكفي أن يكون مجرما في القانون اليمني، ولكنه أضاف بالنسبة للجرائم الواردة في قانون الجرائم والعقوبات العسكرية أن يرتكب الفعل من شخص خاضع لهذا القانون.
المشرع اليمني سواء في قانون العقوبات العادي أو قانون العقوبات العسكري يأخذ بمبدأ العالمية بما يتوافق مع قواعد القانون الدولي ونصوص اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها المضافة رغم أن هناك مآخذ، ومع هذا وذاك يمكن للقضاء اليمني تطبيق هذا المبدأ من خلال الاتفاقيات الدولية لكون اليمن طرفا فيها ومنها اتفاقيات جنيف الأربع والكثير من الاتفاقيات ذات الصلة بجرائم الحرب.
اختار المشرع اليمني الشكل التجريمي الثاني الذي يقضي بإمكانية اختيار قانون العقوبات المدني أو قانون العقوبات العسكري، فإدراج جرائم الحرب في القانون الجنائي العسكري وذلك بتحديد فصل خاص بجرائم الحرب هو الفصل الثالث من الباب الثالث، ومن ثم فإن القانون العسكري هو القانون واجب التطبيق، والقضاء العسكري هو القضاء المختص بنظر جرائم الحرب والفصل فيها، وهو أن المشرع الي مني لم يوسع اختصاص القضاء العسكري ليشمل كافة الأشخاص المسؤولين عن ارتكاب جرائم، بل قصر ذلك الاختصاص بالقضاء العسكري على سبيل الحصر وفي حدود ضيقه، ويبدو ذلك واضحا من نص المادة (21) من قانون الجرائم العسكرية، حيث أوضح النص الخاضعين للقانون العسكري حين قال: (كل شخص خاضع لأحكام هذا القانون ارتكب اثناء الحرب أي فعل من الأفعال التي تلحق ضررا بالأشخاص والممتلكات المحمية بمقتضى الاتفاقيات الدولية التي تكون الجمهورية اليمنية طرفا فيها).
ولكون قانون العقوبات العادي لم يشتمل على جرائم الحرب ومن ثم فإن إجراءات مساءلة لكل المليشيات العسكريين أو الذين يحملون السلاح في نزاع مسلح داخلي طالما أن أفعالهم تمس المصلحة العسكرية أو ثبت ارتكابهم جرائم حرب إبان ذلك، وفيما يتعلق بهذا الجانب، يتم خضوع فئتين من الأجانب للقانون العسكري وهم:
الفئة الأولى: فيما يسمى أسرى الحرب، لا ينطبق عليهم وصف أسير حرب فيما يرتكبون من جرائم أثناء وجودهم في المعتقلات، أو فيما يكونون قد ارتكبوا من أفعال تعد جرائم حرب.
والفئة الثانية: الملتحقون بهم إذا كانون يقيمون في أراضي الجمهورية، إلا إذا كانت هناك معاهدات أو اتفاقيات خاصة أو دولية تقضي بخلاف ذلك، فيظل الاختصاص بمسؤوليتهم عن جرائم الحرب التي تكون قد وقعت منهم إبان مشاركتهم ضد الدولة في قتال القوات المسلحة الشرعية مع الجماعات المسلحة (المليشيات)، نص المادة الرابعة المشار إليها آنفا استمرارية خضوع الأشخاص الخارجين عن الخدمة للقضاء العسكري بالنسبة للجرائم التي كانت وقت وقوعها تخضع لاختصاصه، ومن ثم يكون وضعهم مساويا للأحكام المقررة.
تطبيق قانون العقوبات العسكري بشأن جرائم الحرب على الأشخاص الخاضعين لهذا القانون على نحو ما تقدم يثير جدلاً ملحوظا حول التعامل مع الأشخاص الذين تم القبض عليهم من قبل القوات المسلحة الشرعية لا ينطبق عليهم وضع أسير، لأن وضع الأسير تحكمه نصوص واتفاقيات دولية في حال كان النزاع المصنف نزاعاً ذات طابع دولي، خلافا لما تم تصنيف النزاع المسلح في اليمن نزاع مسلح داخلي بين قوات الجيش النظامي ومليشيات مسلحه ومن التحق بهم من المنشقين من العسكريين، فالاختصاص ينعقد في ملاحقتهم قضائيا ويكونون خاضعين لولاية القضاء العسكري اليمني، وفي حالة التعذر فلا مناص من ولاية المحكمة الجنائية الدولية، فهم ملزمون بالامتثال لأحكام القانون الدولي الإنساني الواجب التطبيق على النزاعات المسلحة غير الدولية، لا يحق لهم الحصول على وضع المقاتل، أو وضع أسير، لأن القانون الدولي الإنساني لا يعترف بوضع المقاتل بالنسبة لأعضاء الجماعات المسلحة من غير الدول المشاركة في نزاعات مسلحة غير دولية، ويعتبر مجرد حملهم الأسلحة ضد السلطات الوطنية (جريمة) بموجب القانون المحلي في تجريم انتهاكات القانون الدولي الإنساني، وهو الاسلوب الذي يجمع بين التجريم بحكم عام والتجريم الصريح والمحدد لبعض الجرائم الخطيرة، كما هو مبين في المادة (20) من قانون الجرائم العسكري وتجريم بقية الأفعال التي تنتهك القانون الدولي الإنساني بحكم عام في مادة أخرى وهي المادة (21) مبينا فيها على وجه الخصوص بعض الجرائم الخطرة على سبيل التمثيل وليس الحصر، ومن ثم يسري الحكم العام على بقية الأفعال التي تنهك القانون الدولي الإنساني التي يكون بموجبها المحرض والشريك خاضعا للمسؤولية الجنائية، فيما عدا وضع الجرائم التي ترتكب في الخارج ممن يخضع للقانون العسكري، حيث جاء النص شاملا لمسؤولية المحرض والشريك في الجريمة، وهو من يقدم مساعدة سابقة للجريمة أو معاصرة لها، أو لاحقة، ولم يستوف القانون تجريم مسؤولية القادة العسكريين عن الإخلال بواجباتهم والتزاماتهم، فيما يتعلق بمرؤوسيهم حيث يتعين على القادة منع الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها مرؤوسيهم وقمعها وإبلاغ السلطات المعنية بشأنها عند الاقتضاء وفقا لما تفرضه النصوص الدولية، واقتصر فقط على تجريم تنفيذ أوامر القائد التي تصدر غير موافقة للأصول القانونية.
أوفى المشرع اليمني بالتزامه في إدراج جرائم الحرب ضمن أحكام قانون الجرائم والعقوبات العسكرية على النحو الذي سبق بيانه، كما راعى المشرع تلك الاعتبارات حتى في حالة (الطوارئ)، فأحاط إعلان حالة الطوارئ وفقاً لنص المادة (121) من الدستور، وكذا فيما يتعلق بالوفاء بالتزاماته بشأن ضمانات المحاكمة العادلة دون أي فرق بين زمن السلم أو الحرب.
*عضو مكتب محامي أول النيابات العسكرية
*نشرت في صحيفة 26 سبتمبر بعنوان (الاختصاص الإقليمي والدولي للقضاء العسكري)