مشكلة اليمن أنها واحة حضارية وثقافية مميزة في محاذاة تصحر لا يقبل هذا التميز , تاريخيا هي الركن اليماني , البوابة التي أطلت وتطل منها المنطقة على العالم , منها عرفت الجديد والمفيد , اليمن ممر مهم لمجرى التاريخ , لحركة التغيير في المنطقة , لمواكبة متغيرات العصر والنهضة . مشكلتنا في اليمن أننا الإرث والتاريخ والحضارة , أننا الأصل , والدولة قديما بقدم الفكرة والمفهوم وحديثا بحداثة العصر , في محاذاة أنظمة أسرية مغتصبة للأرض وما عليها , استلمت الحكم كوكيل خسيس للمستعمر , مهمتها هي الحفاظ على هذا التخلف وذلك الجهل , واستمرار الصراع والتناحر , حتى لا تقوم للمنطقة قائمة نهضوية تنافس بقوة لتلحق بالعالم . لا ننسى أن أحقاد القوى الرجعية على اليمن ليست وليدة اليوم , هي وليدة التحرر والانعتاق من العبودية والإقطاعية , التي كانت اليمن مصدرها , هي حقد دفين لقيام الجمهورية , ونظام ديمقراطي تعددي , في محيط لم يعرف فكرة الدولة بعد , ولا المؤسسات , ولا الديمقراطية , لازال قابعا بنظام إقطاعي تسلطي يستعبد الناس باسم الدين , والطاعة العمياء لولي الامر , باسم الكفيل المبتز لجهد وعرق العامل , مستغل مهاراته وتفوقه وتميزه , صاحب الفضل في البهرجة العمرانية والخرسانية والأبراج الزجاجية , التي تسكنها التخمة والترف والاسراف والكسل والتحجر الفكري والتصحر الثقافي والتصلب العقلي . اليمن ذلك العملاق , الذي تعرض للمؤامرة , بحقن جرعات عنف كفيلة بأن تصيبه بوعكة مكنت الاقزام منه , لينهشوا جسده المثخن بالجراح , فبدأوا تقطيع أواصره من نقاط الضعف , فاختاروا التناقضات للوصول لذلك الضعف , بوحشية الاستعمار , وتغذية النعرات , واختلاق الذرائع , لتسويغ إزاحة واستئصال القوى الوطنية العصية على الارتهان والتبعية , بدعم أذناب وأنذال , هانت عليهم بلدهم , وتنكروا لهويتهم , عادوا للبحث في قمامات الماضي القديم والجديد عن مبررات ذلك النكران , ليكونوا خناجر قاتلة في خاصرة وطنهم وارضهم , التي هي عرضهم وكرامتهم وعزتهم , نذالة حقير هان عليه عرضه وقدمه كهدية لرد جميل. أنذال يعرضون وطنهم للبيع بسوق النخاسة , وما يستعصى عليهم جعلوا منه جهنم , من المآسي والمساوئ , وعذاب سبل الحياة والسلم الاجتماعي , بعقول اغتصبت , واغتصاب العقول أكثر فداحة وأشد جرما وأصعب أثرا من اغتصاب الأجساد , وسيلة المستعمر بالأمس , وأذنابه اليوم , لتنفذ سياسة فرق تسد , وسيلة إذلال وتطويع وارتهان وتبعية , وسيلة تقود قطيع من المغتصبين للمسالخ . كل ما يعلن من شعار , وكل ما يرفع من راية , هي مجرد أداة متاَمر من أدوات الاغتصاب , تغري المتحمسين دون وعي , وتقدم لهم الوهم على طبق من العسل المسموم , وتنفذ أجندات طامع قذر , ومتاَمر وغد يعمل على إبقاء اليمن مريض سريريا , متسول العلاج ولقمة العيش مهان مستباح . اليمن الذي كان يوم ينبوع للحضارة , سيظل ذلك الينبوع المتدفق الداعم لحركة مجرى التاريخ , التي لا يمكن أن تتوقف , قد تواجه صعوبات ويعترضها عراقيل , وبقايا الإرث البالي الرافض للتغيير , والمصالح الضيقة وهي ترتجف رعباً من حركة تغيير الكون وهي تتجاوزها , لكنها لن تتوقف بل ستدوس على كل من يعترض طريقها , وستصل لمبتغاها , التاريخ يسجل بأنصع صفحاته دور اليمن الحضاري والثقافي والفكري والسياسي لدعم تغير المنطقة والكون , وينبوع متدفق من النهضة والتطور, وبالمقابل يدون كل النقاط السوداء التي اعترضت طريق هذا المجرى , وكل عفن حاول تسميم مجرى التحول , وكل يد ساهمت بالعبث , وباعت واستثمرت و ابتزت عملية التحول , كل من قبل أن يكون أداة تعترض نهضة اليمن وتقدمة واستقلاله , والحفاظ على سيادته وكرامته وعزته , اليمن العصية على الارتهان والتبعية و لن ترى الدنيا على أرضها وصيا .
أحمد ناصر حميدان
اليمن .. لن ترى الدنيا على أرضي وصيا 1415