الأنباء التي وردت هذا اليوم الثلاثاء من محافظة أرخبيل سقطرى، تحدثت عن انقلاب ثالث ضد السلطة الشرعية هناك، تشير في أوضح تجلياتها إلى الصيرورة المحتومة للتقاعس الذي أبدته الشرعية في التعاطي مع السلوك الإماراتي الذي أظهر نزعة احتلالية مبكرة ووقحة لجزء غال من أراضي الجمهورية اليمنية منطقة في منطقة استراتيجية مفصلية تقع بين المحيط الهندي وخليج عدن وبحر العرب.
حدث ذلك من خلال إعلان القائم بأعمال قائد اللواء الأول مشاه بحري اركان حرب اللواء العميد ناصر عبد الله قيس تمرده بعد سنوات من إدارة التخريب والإسناد الخفي والمعلن لعمليات التمرد، ليأتي تمرده بمثابة ضربة مستحقة لهذه السلطة الشرعية ورئيسها الذين يتحملون الجزء الأكبر من المسؤولية عما آلت إليه الأمور في محافظة أرخبيل سقطرى وقبلها في المحافظات الجنوبية.
كانت الإمارات قد ذهبت صاغرة إلى الأمم المتحدة للإقرار بأن لا أطماع لها في سقطرى، رداً على تصعيد مسؤول من جانب حكومة رئيس الوزراء السابق الدكتور أحمد عبيد بن دغر الذي كان شاهداً على عملية سطو وقحة قامت بها القوات الإماراتية في أبريل/ نيسان من عام 2018 عندما كان يقوم على رأس وفد كبير من الحكومة وقيادات الدولة إلى الأرخبيل.
حينها تكشفت الأجندة الخطيرة للإمارات التي لم تتردد حينها في استنكار زيارة رئيس الوزراء لمحافظة أصيلة من محافظات بلاده وهي سقطرى، قبل أن تشرع أبوظبي في تبني استراتيجية تقوم على توظيف الموقف الأيديولوجي المتشدد لها من الإخوان المسلمين لتسوق فرضية مفادها أن الصراع الذي يدور في سقطرى يتمحور حول رفض أبناء سقطرى لسيطرة "ميلشيا الإخوان المسلمين" وحزب الإصلاح على الأرخبيل.
لكن أبناء سقطرى كشفوا هذه الذريعة بإظهار تضامنهم مع السلطة المحلية التي لم تكن يوماً محسوبة على حزب بعينه، بل عبرت في كل المراحل عن ولاء للسلطة الشرعية ولعلم الجمهورية اليمنية.
كانت الخطوة التالية هو إدارة سلسلة من عمليات التخريب التي شملت فيما شملت بناء شبكة ولاءات خصوصاً في أوساط الجيش والأمن، الأمر الذي أثمر تمردات منفصلة لوحدات في الأمن تارة وفي الجيش الذي يمثله اللواء الأول مشاه تارة أخرى، سرعان ما كانت تنتهي إلى الفشل.
بقي المتمردون الذين ينضوون في إطار المجلس الانتقالي في مأمن من الملاحقات وإيقاع العقوبات المستحقة واستمروا بالعمل تحت الإشراف المباشر لرجل الاستخبارات الإماراتي خالف المزروعي، الذي يتواجد في سقطرى منذ سنوات بذريعة النشاط الإنساني لمؤسسة خليفة للأعمال الخيرة والإنسانية، وهي مؤسسة مثلها مثل الهلال الأحمر الإماراتي ليست سوى أذرع استخبارية تخريبية تستخدمها الإمارات في نشر الفوضى وتشجيع التمردات وفي رفد الأعمال المضادة للربيع العربي، وفي إسناد المخطط الإقليمي الذي يستهدف تحقيق المصالح الاستراتيجية لإسرائيل.
الأمان من العقاب كان يستند في تقديري إلى الدعم الخفي الذي يقدمه قادة متمردون مثل أمثال العميد قيس، على الرغم مما أظهروه طيلة الفترة الماضية من انحياز للسلطة الشرعية، وهذا يفسر الجرأة والصلف الذي ظلا سمة بارزة في سلوك عناصر الانتقالي ومن انضم إليهم من بعض عناصر الشرطة، بحيث استمروا يمارسون الأعمال التخريبية كالاختطافات والاعتداءات على المنشآت العامة وبالأخص ميناء حولاف شرق حديبو، والهجوم على منزل محافظ المحافظة.
وأمام هذا التطور الخطير يمكن القول إن الإمارات قد استخدمت آخر وأخطر الكروت التي لعبت بها طيلة الفترة الماضية في سقطرى، لكن هذه المرة يبدو الأمر مجازفة خطيرة للغاية خصوصاً وأن خروج الشرعية من سقطرى كنتيجة لهذا التمرد العسكري - إذا تأكد أن اللواء الأول مشاه بكامله بات متمرداً- سيضع السعودة في موقف صعب للغاية، حينها ستظهر أمام اليمنيين والعالم إما دولة تدعم مخطط الإمارات لتقسيم اليمن والاستحواذ على أراضيه، أو أنها ستواجه هذا التمرد كجزء من مسؤوليتها أمام السلطة التي تحتجز رأسها بل رؤوسها لديها في الرياض.
وفي تقديري أن ثمة مواجهة صامتة بين أبوظبي والرياض، تأخذ هذا الشكل من الأعمال الخطيرة. إلى حد تبدو معه الإمارات وكأنها تحشر السعودية في زاوية ضيقة للغاية، خصوصاً أن السعودية التي عززت قواتها في المهرة لن يكون بمقدورها أن تقدم أسباباً إضافية لهذا التعزيز.
ومرد ذلك هو أن مسألة مكافحة التهريب باتت مستهلكة، وسيتساءل اليمنيون وهذا من حقهم: ماذا عن سقطرى أيتها السعودية هل تواجهون فيها خطر التهريب أيضاً؟.
لذا ستبقى الأنظار متجهة صوب التصرف الذي ستقوم به القوات السعودية في أرخبيل سقطرى أمام هذا التمرد، إذا لا فكاك من التصرف السريع الذي من شأنه أن يكرس انقلاباً ثالثاً على الشرعية التي تقول الرياض إنها موجودة في اليمن خصيصاً لدعمها واستعادة نفوذها.
منقول ( المهرة نت )