أعتقد أن لكل كارثة من الكوارث التي تصيب البشر أو الطبيعة أو غيرهما من عناصر الحياة وأطراف الكوكب، محاسن بقدر ما لها من مساوئ .
ومن المحاسن التي أجدها في انتشار وباء كورونا أنها كشفت لنا حقيقة التعليم والثقافة وأشكال المعرفة لدى بعض الكائنات البشرية. وكانت الحرب القائمة في بلادنا قد كشفت لنا أشياء من هذا القبيل. فشكراً للأوبئة والحروب!
ان طائفة ممن كنا نظنهم متعلمين - بل ومثقفين - جاءت هذه الجائحة لتكشف أنانيتهم المفرطة من جهة، ومن جهة أخرى سقوطهم في مستنقع الجهل والغيب والخرافة، وما عادت ثمة قيمة ولو في أدنى مستوياتها للعلم والعقل.
لقد ذكر الله - في مُحكم كتابه - كلمة " عقل " أكثر من خمسين مرة، فيما لم يذكر مفردة " مقدس " سوى عشر مرات فقط.. غير أن بعضنا لا يفقه دلالة هذه الصورة الإلهية!
ما علينا. خلّينا مع هذا المشهد اليماني الذي دعاني للكتابة اليوم:
-" عُرسي عشان نفرح.. مش عشان نقرح”!
هذه العبارة تضمَّنتْها الدعوة التي وجَّهها الشاب اليمني الأصيل محمد الشمرة إلى ذويه ومحبيه ليشاركونه فرحته بدخوله بستان الزوجية العاطر العامر .
أما أصل الحكاية أن محمداً أقام عرسه عبر تقنية البث المباشر في فيسبوك، طالباً من أصدقائه وزملائه وأقاربه أن يشاركوه فرحة العمر بالاكتفاء بتهنئته عبر واتساب، منعاً لحدوث المحذور الكوروني من توافد واحتشاد يؤدي بالضرورة إلى انتشار فيروس الوباء القاتل .
يقول محمد في رسالته إلى الجميع والمنشورة في حسابه الفيسبوكي: " إن التضحية بيوم العمر شيء صعب، لكنْ أن أبني فرحتي على حساب أحزان الآخرين غير صحيح وغير إنساني، وسأتحول من عريس إلى قاتل مُحتَمل". وأشار إلى أن دافعه لإلى إطلاقه هذه الفكرة الرائعة هو تحمُّل المسؤولية ومحاولة خلق نموذج واعٍ على أرض الواقع، داعياً الآخرين إلى التحلِّي بروح المسؤولية تجاه معاناة المجتمع في هكذا ظرف خطير .
وترافقاً مع وسْمَيْ " الزفة الفيسبوكية " و" عرس في زمن الكورونا " أختتم الشمرة دعوته بلغة رصينة بل وحكيمة: " اللي يحبني تكفيني تهنئتك، رسالتك، اتصالك، حوالتك المالية . تحبني الزم بيتك أنا فدالك. معنا ألف مناسبة بنلتقي فيها لما نكون كلنا بخير. عرسي عشان نفرح، مش عشان نقرح. وفرحتي يوم أشوف أحبابنا بخير".
وأثارت هذه المبادرة إعجابا واسع النطاق على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد تلقَّى صاحبها سيلاً من التهاني اثر بثه المباشر لوقاع حفل عرسه العائلي المحدود الذي أقامه في منزله .
ولكن هذا السلوك الرائع من شاب حكيم يقابله سلوك مشين من مسؤول حكومي لا أدري بماذا أصفه، وهو ما دعاني إلى كتابة ذلك المفتتح في مستهل هذا المقال. فقد أقام مسؤول كبير في وزارة الصحة - له علاقة وظيفية مباشرة بحملة مكافحة هذا الوباء - حفل عرس أنجاله بحضور حاشد للمدعوين وفي صالة احتفالية عامة، ضارباً عرض الحائط بكل المحاذير والمخاوف التي يكيلها للناس والجهات في المجتمع ليلاً ونهاراً!
اذا أردتَ أن تعرف ماهيّة السلوك الحضاري، ومعنى الحكمة اليمانية، وهوية الانسان النموذجي، فلن تلقى سوى إجابة واحدة... محمد الشمرة
نقلاً عن " يمن مونيتور"