مما لا شك فيه أن المثقف المدني هو الذي يقف إلى جانب الحقيقة والجماهير المتعطشة للحرية، والمساواة، والعدالة، والعيش بسلام، وهو الصوت المُعبر عن هذه الجماهير ولا يلتفت إلى ما يُقال عنه. كما لا نتجاهل النظرية القائلة بأن: "المثقف الحقيقي لا يفكّر مثل: العوام والمتعلّمين، بل يفكِّر بتحرّر أكثر من قيود الأفكار المألوفة السائدة في المجتمع ويكسر كلّ الأطر والمُسلَّمات الخاطئة (إن دعت لذلك ضرورة)، ولا لرأي الآخرين، بل قد يطرح أفكار تكون مجنونة في نظر العوام. لكنّه يرى صوابها"(المعنى الحقيقي للمثقف). لكن، لا ينبغي للمثقف أن يخذل ممن يقول إنّه سخر حياته للكفاح من أجلهم، بل ينبغي عليه الوقوف معهم مهما كان الثمن. سنركز في هذا المقال على المثقف اليمني بشقيه المدني والتقليدي.
انقسم المثقفون المدنيون اليمنيون إلى ثلاثة أقسام وهم كالتالي: القسم الأول، وقف إلى جانب حركات العنف المتمردة ودافع عن هذه العصابات وتخلى عن القيم التي كان يتغنى بها طوال الفترات الماضية وهذا المثقف يُمكن أن نطلق عليه المثقف العنصري المتلبس بثوب الحداثة، وهذا النوع لا ينبغي التساهل معه بل ينبغي مواجهته وتعريته لأن خطأه أكبر من خطأ المثقف التقليدي الذي قد ربما يقف إلى جانب جماعات العنف المسلحة إمّا بغرض الحصول على مكاسب مادية أو ربما من أجل دفع الضرر. القسم الثاني وقف موقف المتفرج وهذا النوع لا يعول عليه، أمّا الثالث فقد وقف إلى جانب الجماهير وضد جماعات العنف المسلحة ودفع الثمن باهظًا نتيجة لمواقفه المشرفة وهذا هو المثقف الحقيقي من وجهة نظر كاتب هذه السطور.
أمّا المثقفون التقليديون فقد كان الغالبية العظمى منهم ضحية لصراع أطراف النزاع وهؤلاء لاحول لهم ولا قوة وينقادوا لمن بيده القوة والغلبة. لا ينبغي أن نوجه اللوم لهؤلاء لأن المثقف المدني الذي يتغنى ببعض الفلسفات الغربية والنظريات المستوردة فشل في احتواء هؤلاء بل ووصل ببعض دعاة الحداثة إلى وصف هذا التيار أي التقليدي بالمتخلف.
عندما نؤكد بأن حركات العنف المسلحة لا يمكن أن تبني الدولة وتنشر الأمن والأمان وأن مستقبل هذه الجماعات إلى زوال فنحن هنا لا ننطلق من "موقف العراف ولا موقف المستشرف المشيد لسيناريوهات [متوقعة]" بحسب وصف الجابري، بل الواقع يؤكد صحة ما نكرره بأنه لا مستقبل لحركات العنف المسلحة.
لكن، كيف يمكن هزيمة هذه العصابات؟ في الحقيقة أنّ من يدير دفة الحكم في الجمهورية اليمنية اليوم ليس مؤهل لقيادة هذه المرحلة الحرجة من تاريخ البلاد مما أدى إلى تمدد هذه الجماعات المتمردة وهذا نتيجة لعدم وجود التخطيط العقلاني والسياسة الموضوعية وكذلك نتيجة لوجود القادة السياسيين خارج الجغرافيا اليمنية مما أدى إلى ضعف معنويات المقاتلين بالإضافة إلى بعض الأسباب الأخرى منها الداخلية والإقليمية والدولية، ولكن ليس المجال هنا لذكر هذه الأسباب بل موضوعنا هو المثقف اليمني وخطابه الانهزامي الذي جاء في الزمن والمكان غير المناسبين خصوصًا وأن المعركة مازالت في أشدّها مع الجماعات المتمردة. إن سقوط جبل أو مدينة أو حتى البلاد بأكملها لا يعني انتهاء المعركة مع الجماعات الفاشية بشقيها العنصري والطائفي.
الخطاب الانهزامي لبعض المثقفين اليمنيين ذكّرني بخطاب المثقف العربي بعد نكبة حزيران 1967م. حينما هُزم العرب في تلك الفترة خرج الخطاب الانهزامي وطغى على الثورة والأمل بل وعجت المكتبة العربية " [بالقصائد والمقالات والروايات والكتب]، نعم عجت المكتبة العربية بأدبيات "السقوط" مما غطى على جميع الموضوعات الأخرى. ويمكن للمرء أن يجزم دون أن يخشى الوقوع في الخطأ بأنه منذ حزيران/ يونيو 1967 لم يظهر نص عربي، شعري أو نثري، أو أدبي أو علمي أو أيديولوجي، يتحدث عن الحاضر والمستقل حديثًا يشع منه بريق أمل أو يعبر عن طموح أو يطرح مشروعًا للمستقبل" (الجابري، 169، المشروع العربي النهضوي مراجعة نقدية). إذن، الموقف الصحيح للمثقف اليمني هو الوقوف إلى جانب الحقيقة وبث روح الأمل ووضع الحلول الجذرية للمشاكل التي يعاني منها المجتمع والاستمرار في كشف الوجه العنصري والطائفي للجماعات المتمردة وليس بث الخطاب الانهزامي من خلف المحيطات بينما الجنود يضحون بأغلى ما يملكون (أرواحهم) من أجل العيش بكرامة وحرية. لا نريد للمثقف اليمني أن ينهزم بل نريده أن يكون شامخًا مثل جبال بلاده. المستقبل لأبناء اليمن وسواد الليل لن يستمر ولابد من بزوغ فجر جديد.
اختتم مقالي بهذه الأبيات للشاعر عصام العطار
لابـــد لـلـيـل أن يــنـزاح غـيـهـبه - ويـشرق الفجر بعد الظُّلْمِ والظُّلَم
الـيـأس فـي ديـننا كـفر ومـنقصة- لايُنْبِتُ اليأسَ قلبُ المؤمنِ الفَهِمِ
سنصدع الليل مهما اشتد غيهبه- ونـحـمل الـفجر لـلإنسان والأمـمِ