القياس هو الأصل الرابع من أصول التشريع في العقل الإسلامي، يأتي ترتيبه بعد القرآن والسنة والإجماع، وهي أصول ربما اتفقت المذاهب على ألفاظها أو أصلها أكثر من مضمونها، إذ حين الدخول في التفاصيل نجد خلافا وفروقا على مستوى المذاهب الإسلامية بشكل عام، وعلى مستوى المذاهب داخل الدائرة السنية بشكل خاص.
هذه الأصول هي التي تحكم العقل الإسلامي في التفكير، وتحكم عملية الاجتهاد والابداع، ونقاشها هو نقاش في صلب قواعد التفكير الإسلامي، ومحاولة تجديدها أو نقدها يصب في تطوير أداء العقل بحيث يكون أكثر منطقية وعقلانية ومرونة مع الحياة، فهذه القضايا ما لم يدور نقاش طويل حولها بهدف تجديدها ستظل منظومة العقل الإسلامي متصلبة متخشبة، ومن ثم مزيدا من التراجع الحضاري.
لو أخذنا مثلا الأصل الرابع وهو القياس، وهو يعتبر منهجا وطريقة للتشريع وليس مصدرا للتشريع كما يخلط بعض الدارسين لهذا العلم، كما أن التشريع هنا لا يقصد به الدين، وإنما مجال التشريعات التي تنظم حياة المجتمع، وهي ما يسميها الفقهاء "المعاملات" أما القياس في غير ذلك من العبادات "الشعائر" والعقائد فغير دقيق لأنها غير معقولة المعنى ولذلك يعتبره البعض ضربا من الظن الذي لا قيمة له.
ربما اشتهر في الكتب الأصولية المتأخرة أن القياس كأصل رابع متفق عليه بين المذاهب السنية عدا الظاهرية، لكن الدخول في تفاصيل هذا الأصل يقول أنه اتفاق على أصل فكرة القياس فقط، أما تعريفه واستخدامه عند كل فريق فمختلف.
فمثلا الإمام أبو حنيفة وهو الشخصية التي استقرت مدرسة الرأي بالكوفة عنده فسمي مذهب أهل الرأي باسمه باعتباره كان الأشهر، هذه المدرسة التي ابتدأ خطها مع إبراهيم النخعي كان تستخدم القياس بدرجة كبيرة ومرنة، والسبب يعود إلى أن القياس عندهم كان قياسا على أصول وقواعد الشريعة، أي قياسا واسعا يلتقط أي حدث جديد أو مسألة لينظر أي القواعد توافقه أو تخالفه، تلك القواعد التي كونها الاستقراء من تفاصيل الشريعة، فإن اندرجت تلك هذه القاعدة قبلوه وإن خالفها تركوه، إلا أنهم أحيانا يتنبهون لبعض القضايا ويدرسونها بشكل أعمق فيرون أن هناك قاعدة أخرى قد لا يكون ظاهرها قريبا من المسألة لكن روحها ومقصدها أقرب فيصرفون القياس من القاعدة الجلية إلى القاعدة الخفية لأنها أقرب روحا ومقصدا ويسمون ذلك "استحسانا"، فالاستحسان ضرب من القياس عند الأحناف، ويمكن أن نسميه قياسا
نقلاً عن موقع " يمن مونيتور "