أنا رجلٌ من شمالِ اليمنْ
حياتي شمالٌ
وحظي شمالٌ
ودمعي شمالٌ
وأيامُ عمري سُعالٌ
ولي منزلٌ شاركتني
بهِ النمل يغفو على ضَاحةٍ
في أعالي الجبالِ
أبي قرويٌ بسيطٌ
على ظهرهِ من سِياطِ الحياةِ كتابٌ
وفي وجههِ دفترٌ من جراحِ الزمانِ
وكفَّاهُ عاليةٌ كالسماء
تغرَّبَ حتَّى استقلَّتهُ كلُّ المنافي
فعادَ إلى أهلهِ
تصفرُ الريحُ في صدرهِ
وتزوَّجَ فلاحةً هي أمي
وأمي تصلي وتُخطئُ في الفاتحة
وأميَ إذا ضحكتْ
تُزهرُ الأرضُ في دربها
وهي تحدو إلى خضرةِ اللهِ أغنامها
وإذا مسَّها الفقدُ
زادتْ ينابيعُ قريتنا واحداً
كلما بكتِ امرأةٌ
فاضَ نبعٌ وزادتْ ملوحةُ أيامنا .
أنا رجلٌ منْ شمالِ البلادِ
ولي أخوةٌ في شمالِ الشمالِ
غريبونَ عني ملامحهمْ حفنةٌ منْ رمالٍ
وأعينهمْ من رصاصٍ وحمى
إذا نزلوا وادياً
غادرتهُ الطيورُ
وإن دخلوا قريةً
ساورتها الظنونُ
بنادقهمْ تتجشأُ موتاً
يميلونَ حيثُ تميلُ الرياحُ
شمالاً جنوباً وشرقاً وغرباً
وما اتحدوا
غير فوقَ موائدَ من لحمنا والعظامِ
وما اقتسموا غيرَ حصتنا
من ثمارِ البلاد.
أنا رجلٌ من شمالِ الكفاحِ :
وأبناءُ عمي سيوفُ الإمامِ
وجندُ الظلامِ
وحرّاسُ قصرِ الرئيسِ
يثورونَ عندَ الصباحِ
وينقلبونَ إذا أسدلَ الليلُ لحيتهُ
ويبيعونُ أطفالهمْ
بدراهمَ معدودةٍ
ليدٍ تتصيَّدُ قلبَ الوطنْ.
أنا واحدٌ من أعالي الشمالِ
وحقلي أبي
والسنابلُ أمي
أحبُّ البلادَ التي أنكرتني واحرسها بدمائي
وفأسي سلاحي أشقُّ بهِ صدرَ حقلي إذا أشهرَ الجوعُ أنيابهُ
من سيطعمُ أهلي؟
ولي أخوةٌ من شمالِ الشمالِ
يحبونُ أنفسهمْ
ولهمْ حصةٌ من سنابل حقلي
وما أمِنُوا غيرَ ظلي
وما سرقوا غير رحلي
وما وثبوا في سبيلِ البلادِ
وما أحسنوا غير قتلي.
أنا واحدٌ منْ ضحايا الشمالِ
حياتي شمالٌ
فلا جنةٌ بانتظاري
وقلبي يفتشُ عن إخوةٍ في الجنوبِ
وتلفظني طرقاتُ الجنوبِ
ويقتلني أهلها الطيبون
ويقذفني بالبراكينِ جاري
فمن لي؟
أحبُّ البلادَ وحقلي
وأبكي بحرقةِ مئذنةٍ في الجنوبِ
على كلِّ مئذنةٍ في الشمال.