يخطئ بعض الكتّاب العرب وخاصة الخليجيين عندما يكتبون عن اليمن دون معرفة حقيقية بتاريخه وتاريخ الصراع فيه وجوهر مشكلاته، والقلة التي تكتب وهي تعرف تاريخ اليمن تقع في خطأ النظرة غير المعمقة إلى طبيعة الحلول الناجعة لمشكلات هذا البلد فيلجاؤن للتبسيط تفاعلاُ مع تبسيط انفعالي لبعض أبناء اليمن. أحد جوانب هذا التبسيط الحديث عن شمال وجنوب وتمايز فارق بينهما يجعل أحدهما وهو هنا حسب هؤلاء (الجنوب) متقدمًا ومتحضرًا وقابلاً لتكوين دولة عصرية ويجعل الآخر (الشمال) متخلفًا وغير قابل للإصلاح، كما أن التبسيط يذهب إلى أن تاريخ التجزئة أو التشطير في اليمن طويل ومن ثم وبتبسيط ثالث يكون الحل الذهاب إلى الدولتين اللتين كانتا قائمتين قبل إعادة تحقيق الوحدة اليمنية. ومع أن هذا التبسيط كما سنرى مخل وغير حقيقي لمن يقرأ تاريخ اليمن بقراءة معمقة، لكنه يصبح خطيرًا جدًا عندما تطرح مثل هذه الأفكار في الظروف الحالية التي تعيشها اليمن الآن، حيث أنه يعني حرف مسار المعركة الوطنية لليمنيين ومعهم التحالف العربي الداعم للشرعية من معركة وطنية وقومية لاستعادة الدولة وضمان استقرار اليمن إلى معركة تمزيق اليمن وتقوية الحوثي وتسليم الشمال حيث الثقل السكاني لإيران لتتحول إلى بؤرة إقلاق ومشاكل لا تنتهي للشقيقة والجارة السعودية التي تقود عاصفة الحزم وللمنطقة وللأمن والسلم الدوليين. فإذا جاءت الدعوة لتأييد الانفصال وتمزيق اليمن - أيضا - بعد تمرد مليشيات مسلحة في العاصمة المؤقتة عدن وجد فرصته وسط الترويج لهذه الأفكار فإن ذلك يعني التسليم باستخدام القوة لتمزيق الدول والأوطان بكل خطورة ذلك ومترتباته على وحدة دول المنطقة جميعًا. وتاريخ اليمن يمكن تلخيصه أنه تاريخ الصراع حول التجزئة والوحدة بحثًا عن دولة يمنية موحدة وعادلة لكل أبنائه، وفِي إطار ذلك علينا أن نعرف أن الجنوب حتى عام 1967 -(تاريخ الاستقلال ) - كان 23 سلطنة وإمارة ومشيخة ولَم يكن موحدًا اللهم باعتباره خاضعًا لاستعمار بريطاني واحد، وأن بريطانيا عندما أقامت ما سمي حينها باتحاد الجنوب العربي قبيل رحيلها (62-1967) لم تخلق كياناً واحدًا في الجنوب وإنما كان هناك إلى جانب هذا الاتحاد الذي أطلق عليه اليمنيون والعرب (المزيف) دولتين في حضرموت واُخرى في المهرة بالإضافة إلى بعض الكيانات الصغيرة التي تفلتت منه، وأن الجنوب لم يتوحد في دولة واحدة (1967-1990) إلا في إطار حركة تحرر وطني ضد الاستعمار البريطاني كان أحد أهدافها إعادة توحيد اليمن كله ابتداءً من الجنوب، وأن أي انقضاض على أهداف ومبادئ ثورة 14 أكتوبر يعني ليس العودة إلى هذه الدولة الموحدة للجنوب وإنما إلى ما قبل ذلك من تمزق حتى بمعايير حجم الفترة الزمنية التي عاش فيها الجنوب في ِظل السلطنات مقارنة بالدولة الوطنية، ناهيك عن التطلعات والمشكلات والاختلافات الأخرى والهويات الفرعية في الجنوب كما هي أيضا في الشمال التي يطول شرحها والتي ستؤدي إلى انقسامات أخرى في الشمال والجنوب فلا الشمال سيبقى شمالاً ولا الجنوب جنوبًا. - [ ] لا ينكر أحد أن هناك اختلافاً بين الشمال والجنوب ولكن هذا الاختلاف هو أيضًا في كل منهما على حدة، فحضرموت مثلاً تختلف عن الهضبة الجنوبية في الضالع ويافع، وتعز والحديدة تختلفان عن هضبة صنعاء وتقسيم اليمن إلى ساحل وجبل فقط - أيضا- فيه قدر من الخلل لا يستقيم،. اليمن بلد واحد ذو أصل واحد ولكنه شديد التنوع خلق هذا التنوع العامل الجغرافي والتضاريس والعزلة والانقسامات والصراعات والاحتكاكات بالدول التي سيطرت على اليمن عربية أو إسلامية أو أجنبية، وصنعت كل هذه العوامل درجة تطور تاريخي مختلف في كل جزء من أجزائه، بل خلقت ثقافة متنوعة انعكست في الملبس والمأكل والغناء واللهجات وحتى الطباع والأمزجة، وكل ذلك كان يمكن أن يكون غني لهذا البلد العظيم ولشعبه العربي الأصيل ولتراثه ولأمته بل وللإنسانية، ولكن الصراع على السلطة والثروة بالإضافة إلى الفقر أدى إلى أن تنشأ في ِظل الدولتين الوطنيتين المستقلتين اللتين قامتا في اليمن (دولة الإمامة المتوكلية وبعدها الجمهورية العربية اليمنية في الشمال وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب) دول شديدة المركزية تحكمت فيها فئة أو قبيلة أو منطقة واحدة، فدولة الاستقلال في الجنوب أنشئت مركزية للهضبة الجنوبية ومناطق طوق عدن وعندما قامت دولة الوحدة لم تقم دولة وطنية عادلة وإنما ألحقت كلها بمركزية صنعاء وبقبائل طوق صنعاء التي كانت قد أنشأت دولة ألحقت مناطق الشمال بها. إن الحل الذي توصل إليه اليمنيون في الحوار الوطني بإقامة دولة اتحادية من ستة أقاليم كان حلاً تاريخياً لمشاكل اليمن، مشاكل الشمال والجنوب ومشاكل الشرق والغرب الخ، يعترف بالتنوع ويحوله إلى طاقة وإبداع وينهي الانقسامات والانفراد والصراع على السلطة والثروة. لكن قوى النفوذ القديم لم تستسلم فقام الانقلاب الأول في صنعاء (انقلاب الحوثي) من أجل ضمان سيطرة الهضبة الشمالية على اليمن مستندًا على فكر عنصري للهاشمية السياسية الزيدية تدعي الحق الإلهي. ولحق هذا الانقلاب الآن تمرد جديد للانتقالي في عدن يقسّم الجنوب أكثر مما يوحّده ويعيده إلى وضع أنشئ في ظرف تاريخي ولت إمكانية إعادته. إن حل مشكلة اليمن والتي ندعو الأشقاء إلى الدعوة له والعمل من أجله ولو بالكلمة هو إنهاء الانقلابات وإنهاء الحرب على أساس مرجعيات الحل الثلاث ومنها مخرجات الحوار الوطني لإنشاء دولة اتحادية عادلة وإقامة مشروع مرشال خليجي وعربي ودولي لإعادة اعمار اليمن وتخليصه من الفقر وضعف التنمية، باعتبارهما أحد مشكلاته الأساسية وفِي هذه المرجعيات ونتائج الحوار الوطني والتي لا مانع من تطويرها في إطار روحها القائمة على تلبية متطلبات الواقع لا تلبية الرغبات، وهو حل يمكن أن يكون حلاً حقيقياً لمشكلات اليمن وللقضية الجنوبية العادلة خاصة. كما انه يتوافق مع روح التدخل الخليجي والعربي الإيجابي بدءًا من المبادرة الخليجية وحتى عاصفة الحزم، وينقذ اليمن ويوقف خطر التدخل الإيراني وتناسل الانقلابات والانقسامات التي لو سمح لها أن تنجح في اليمن فإنها لن تتوقف فيه أو عنده. —————- *نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية اليمني السابق.
د. عبدالملك المخلافي
الانفصال في اليمن مشكلة وليس حلًا 909