هل هو قدر هذا الشعب وهذا البلد أن يحيا متنقلاً من مأساة إلى مأساة ومن معاناة إلى معاناة ومن مذبحة إلى مذبحة ومن كارثة إلى كارثة؟ هل قدره أن لا يرى عيداً ولا بهجة حقيقية كسائر شعوب المعمورة من عرب وعجم ومسلمين ونصارى وبيض وملونين ومشارقة ومغاربة؟ وكلما ظنّ أن يوم فرجه قريب أو أن دهر البؤس قاب قوسين من الزوال، أنبرى له شياطين الانس والجن ممن يتحكمون في مصائره، فإذا بفصل جديد من الدماء والدموع والدمار يتم تدشينه مجدداً في يومياته السوداء. وقد شاء الله أن يكون هؤلاء المتحكمون على الدوام من صنف البشر عديمي الرجاحة في العقل والرقي في الأخلاق والكفاءة في الادارة والسياسة، عدا اكتظاظهم بأمراض نفسية وذهانية، أقلها عقدة النقص وأوسطها الشيزوفرينيا أما أقصاها فلم يهتد ِ العلم بعد الى أسماء لها وصفات. ولطالما كانت مأساة اليمن في العصر الحديث متجسدة في آفة الجهل الذي يحمله هؤلاء على كواهلهم صليباً من حقد على كل ما هو مدني وعصري وجميل في حياة اليمنيين. وقد كان هؤلاء في ما مضى يتجرجرون من رؤوس الجبال وبطون الصحارى الى ضفاف مدينة عدن -مثالاً- لينهل الطالب من مدارسها وكليات جامعتها ويلقى العامل والموظف فرصة العمل والحياة الكريمة وتلقى الأسرة المأوى الصحي والخدمات المدينية المتطورة، فتفتحت قبالة مجاهل عمرهم المنصرم منافذ مستقبل مبشر بالسعادة والرقي والرخاء والنجاح بكل ألوانه. غير أنهم بعد أن قضوا منها وطراً، عادوا فتناوبوا على اغتصابها، ثم راحوا يعرضونها على الأعراب والأغراب في سوق النخاسة أويستدعونهم إلى مخدعها، ولم تكتمل نشوتهم الزرقاء الاَّ بلفِّها في لحاف قذر وحملها على هودج منصوب على سنام ناقة عجفاء يسحبها عبد آبق الى باطن صحراء حارقة. فالبرابرة الجبابرة الذين تدلُّوا من سُرَّة الجحيم ذات ليل مدلهم إلى مخدع الأميرة الحسناء، خلعوا بربريتهم في مخدعها لا خارجه. ولهذا ظلت النتانة تعبق في المكان والزمان وفي سائر التفاصيل. وهو بعض ما أشار إليه عبدالرحمن ابن خلدون قبل أن يطلقوا عليه النار لأنه عرَّى عوراتهم عبر تاريخ ثقيل كليل. إن ما تعانيه عدن اليوم ليس سوى حالة ولادة مشوهة نتجت عن لقاح نتن بين شجرة طيبة وريح سموم! (يمن مونيتور)
حسن عبدالوارث
شعبٌ لا عيدَ له 1144