المؤامرة الحقيقية على الجنوب، هي تقزيم القضية الجنوبية من وطنية وإنسانية عادلة، إلى جهوية قروية أنانية تبرر انتهاك كرامة الإنسان بفرز مناطقي جهوي مقيت، في أن يولّى علينا جهلة ومتخلفون ومتعصبون يمارسون أبشع الانتهاكات تحت شعارات فضفاضة، كلٌ يفسرها وفق مزاجه الأيدلوجي وأنانية سياسية. المشهد اليوم يشكّل خطراً على الرأي الآخر والموقف والاختيار المختلف، أكثر من الاتهام والتخوين لمستوى انتهاك الكرامة والقتل والتصفية، وهذه بحداتها نكرة، تضع القضية في مصافٍ غير عادل. شعار استعادة الدولة، وأي دولة، دولة الجماعة، أو المنطقة، أو الفكر الأصولي أو الشمولي، دولة الماضي أم دولة المستقبل، كل يعتنق فكرة الدولة بعصبية، وهي فكرة مبنية على أساس ثقافي وفكري وروحي. الواقع وأدواته تعبّر بوضوح عن الدولة الكامنة في فكر وثقافة وروح الأصوات العالية اليوم التي لا تريد أن تسمع الصوت الآخر، وتحرّض على اجتثاثه بل تحاصره في الحياة العامة وتعكّر سلمه الاجتماعي. ولهذه الأسباب لم نر ما يبشر باستعادة الدولة الضامنة للمواطنة ولن نرى، وكيف لقوى العصبة أن تقدم دولة ضامنة للحريات والعدالة والمواطنة، وهي تمارس على الأرض سلوك وثقافة التمايز والفرز العرقي والمناطقي والجهوي، وبعذر أقبح من الذنب، حق تقرير المصير، بقناعات أن الآخرين لا حق لهم بهذا المصير. بعضهم يقول هي حالات فردية لا تعبّر عن الإجماع، والحقيقة أن تلك الجماعة قد أجمعت على عصبتها.. مثقفيها والأكاديميين منهم والسياسيين، كلهم تفرعنوا وتعفنوا بالعصبية، وصاروا يرمون سهامهم على كل من يختلف معهم وعنهم، بل ويباركون تلك السلوكيات العفنة. يقال لوكان نهاراً لرأينا شمساً، أربع سنوات، والهدم هو الهدم والقتل هو القتل، والظلم هو الظلم، والقهر هو القهر، والبسط هو البسط، والفساد بكل أنواعه هو الفساد، والتهريب قائم والتبعية والارتهان جاثم مع تغيير الأدوات، والإرهاب هو الإرهاب مع تعدد الأسباب والدوافع. كان ممكن الرهان لو استطاع هؤلاء أن يقدموا مثالاً يعكس واقعاً يرضي الناس، لو استطاعوا استعادة مصنع أو معمل أو مؤسسة أو أرض أو حق عام وخاص، كانوا يصرخون مطالبين باستعادتها، وهم في موقع القرار والسيطرة وعاجزون عن استعادة حق واحد من تلك الحقوق البسيطة، بل زادوا الطين بلة، نهب وسطو وخصخصة للجيوب وحبايب القرية، لم يتمكنوا من استيعاب كل الجيش الجنوبي قادة وضباطاً وأفراداً وكان نحيبهم عليه يملأ الأرض صراخاً، استوعبوا قراهم وعصبتهم ومزاجهم فقط و90 % في بيوتهم ممنوع عليهم الاقتراب من الثكنات العسكرية. لم أستغرب غباء تلك الجماعة، التي لا تدرك أنها في حرب، وأن معسكراتها لابد أن تكون محمية، وأن العدو يتربص بها، وهي لا مبالية في معركتها الرئيسية، لتفتح معارك جانبية، وعندما يصيبها الضرر ترمي غباءها وفشلها على الآخرين، وليس أي آخرين، آخرين تلعنهم ليلاً ونهاراً وتطالبهم بحمايتها، تعيق حركتهم ونشاطهم وتتبلّى عليهم بكل شيء، هذا هو قدرنا في غباء منقطع النظير. معذرة لإخواننا من الشمال والغرب والشرق ممن أصابهم الضرر من هكذا غباء فهي غمة وستزول عما قريب، الغباء انتحار ذاتي، يدفع صاحبه للتآكل من الداخل ويتلاشى بكل برود وهدوء، والظلم ظلامات ينزع البركات، والله على كل شيء قدير..
احمد ناصر حميدان
غباء منقطع النظير 1128