تتسم منطقة المشرق العربي بكونها أكثر منطقة في العالم تعصف بها أزمات سياسية وأمنية واقتصادية عنيفة، ولا يبدو أن هذه الأزمات في طريقها إلى الحلحلة أو الحسم النهائي. وفي ظل هكذا اضطراب وأزمات مفتوحة، تحول اليمن إلى ساحة عبثية لصراعات محلية وإقليمية أفقدته ممارسة دور كان من شأنه إحداث تحول نوعي على صعيد الصراعات الإقليمية، خاصة أن اليمن لديه عوامل قوة جغرافية وبشرية، وفي حال تم القضاء على الانقلاب وقطع يد إيران في اليمن، فإن تأهيل اليمن واستثمار عناصر قوته، ثم إقامة تحالف وثيق بين اليمن والسعودية، فإن ذلك من شأنه إحداث تحول كبير على صعيد صراعات الإقليم واضطراب العلاقات بين دوله.
يُمثل اليمن المحطة الأخيرة في الإستراتيجية الإيرانية لتقويض استقرار السعودية والدول العربية السنية بشكل عام، بعد أن تمكنت من فرض هيمنتها على العراق ولبنان وسوريا، واستثمار بعض الأزمات الهامشية لتحييد دول تحيط بالسعودية، مثل سلطنة عمان وقطر والكويت، إضافة إلى تراجع الدور المصري في الإقليم، وسعي السعودية إلى أن تكون كقائد للعالم الإسلامي في مواجهة المخطط الإيراني التدميري لدول المنطقة، وتحويل الأقليات الشيعية إلى مليشيات مسلحة عنيفة تأتمر بأوامر المرشد الأعلى في طهران.
ولذا، فإن ضرورات الأمن القومي العريي تقتضي أن يساند الأشقاء العرب اليمن بقوة حتى القضاء على الانقلاب، ثم إعادة تأهيل البلاد حتى تستعيد عافيتها، واستثمار عناصر قوتها في مواجهة الخطر الإيراني الذي يهدد المنطقة بشكل عام، والسعودية بشكل خاص. أما بقاء الأوضاع على ما هي عليه، أو ترك اليمن لقمة سائغة بيد إيران، فإن ذلك يعني بداية النجاح للمشروع الإيراني التخريبي والتوسعي في آن واحد، ولا مبالغة إذا قلنا بأن المشروع الإيراني بداية هزيمته ستكون من اليمن، وبداية نجاحه ستكون من اليمن أيضا.
مخاطر فراغ القوة
رغم المكاسب التي حققتها إيران خلال السنوات الماضية في كل من لبنان والعراق وسوريا، بعد أن تصاعد نفوذ المليشيات الشيعية هناك، إلا أنها لم تعبر عن فرحتها وانتشائها بتحقيق "النصر" إلا عندما سيطرت مليشيات الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء، وهذا يؤكد أهمية موقع اليمن في إستراتيجية إيران على كافة الأصعدة، وما يحمله من دلالات عبر عنها مسؤولون إيرانيون بقولهم إنه بسقوط رابع عاصمة عربية بيد إيران فإن ذلك يعني عودة الإمبراطورية الفارسية وعاصمتها هذه المرة بغداد.
ولولا فراغ القوة الذي حصل في اليمن، بعد أن سلم الرئيس الراحل علي عبد الله صالح كل إمكانيات الدولة للحوثيين، لما تمكنت إيران من مد نفوذها بقوة إلى اليمن، فسقوط صنعاء بيد مليشيات موالية لإيران كان أمرا غير متوقع للجميع، ويعني سقوطها أن إيران تمكنت من استعادة السيطرة على جميع المناطق الجغرافية التي كانت تسيطر عليها الإمبراطورية الفارسية قبل أن تزول على يد العرب أثناء حركة الفتوحات الإسلامية، وتسعى إيران اليوم إلى الثأر بقوة ممن أزالوا إمبراطورتيها رغم عجز إمبراطوريات أخرى عن ذلك. لم يشعر العرب، خاصة دول الخليج، بمدى خطورة التحديات الأمنية التي تهدد أمنهم القومي إلا بعد سقوط العاصمة اليمنية صنعاء بيد مليشيات الحوثيين، وهو ما دفع السعودية إلى تشكيل تحالف عسكري عربي من عشر دول، لمواجهة الخطر الإيراني، علما بأن هذا التحالف هو الأول من نوعه في تاريخ العرب المعاصر المليء بالتمزق والشتات، ويعكس ذلك استشعار الجميع لحجم الخطر المشترك، وهو الخطر الذي جاء نتيجة لفراغ القوة في اليمن. وإذا استمر ذلك الفراغ، فإن الخطر سيظل قائما وسيتعاظم، هذا في حال لم تتمكن إيران ومليشياتها من السيطرة على اليمن، وبالتالي تحويل اليمن إلى أخطر بؤرة توتر تهدد العرب وأمنهم القومي. أهمية إعادة التأهيل إن إعادة تأهيل اليمن في إقليم مضطرب، بعد القضاء على الانقلاب واستعادة العاصمة صنعاء من يد إيران، يعني بداية تحجيم النفوذ الإيراني الآخذ في الاتساع، وإعادة اليمن إلى محيطه العربي، ثم إعادة تأهيله ليصبح رافدا قويا للحفاظ على الأمن القومي العربي والتصدي للأطماع الإيرانية، واستغلال عناصر القوة في اليمن، مثل موقعه الجغرافي الاستراتيجي، وثروته البشرية، وشراسة المقاتل اليمني دفاعا عن العروبة ضد المشروع الفارسي. لقد أصبح اليمن اليوم في قلب العاصفة، ولا يمكن لإيران أن تفرط بالمكاسب التي حققتها في اليمن بسهولة، وما لم يحدث حسم عسكري، فإن إيران ستستغل ثغرات أي حل محتمل للأزمة اليمنية غير الحسم العسكري، ومن المؤكد أن الحل السياسي لا بد أن يحتوي ثغرات مهما كانت صيغته، ويعني ذلك بأن ما سيحدث سيكون مجرد ترحيل للأزمة حتى تأتي ظروف مناسبة لإيران تمكنها من إعادة السيطرة على اليمن، والنفاذ من خلاله إلى العمق العربي، خاصة أنها تعتمد سياسة "النفس الطويل" لتحقيق مشروعها الإمبراطوري التوسعي على حساب جيرانها العرب. نقلاً عن موقع الإصلاح نت