هل عجز منا، أم خوفا ينتابنا، من نقد وتقييم علمي ومنطقي لتجارب ماضينا، هي ذات المصيبة التي أفشلت حاضرنا للولوج لمستقبل يلبي تطلعاتنا، نحن مشغولون بالماضي، مهملون للحاضر معيقين للمستقبل فأين العقل!. عجز الخروج من شرنقة الماضي، هو عجز في تغيير الذات، وبالتالي صعب تغيير واقع نشكو منه ليلا ونهار. التغيير هو نضال واعٍ، يمكنك من الخروج من شرنقة ماضيك البائس، لتتجاوز المشكلة وتكون حلا ناجعا يفضي لمستقبل افضل. الماضي عبر ودروس، من لا يستوعبها يبقى غارقا في المشكلة، بل الرحم الذي تتوالد فيه المشاكل بكل أنواعها، نضاله مزايدة على غيره، ويظهر بمظهر المنافس العقيم والمتباهي، يساري او يميني علماني او عقائدي، ماذا قدم هولا للامة غير المصائب، حتى يتباهون بتاريخهم الدموي بنسب مختلفة باختلاف المبررات, غير الصراعات والتباهي بالذات واتهام الآخر والتناقضات السلبية، والشعارات التي لم تطبق واقعا من حينها، وان تطبق الشيء اليسير بهليلة المهرجانات والخطاب والتصفيق، في محتواه إقصائي وشيطنة الآخر المختلف، مما جعل هذا اليسير مفرغ من المعنى الإنساني والقيمي. كل مرحلنا تباهي بالذات، فيها الآخر متهم، تنعدم فيها الشراكة، وبالتالي سينعدم الاستقرار، ولن يكون وطن حاضن لكل أبنائه، لا شيء مفيد غير مزيد من التناقضات السلبية والصراعات المدمرة وحروب اجتثاث الآخر باعتباره المشكلة، بتوصيفات غير علمية ولا منطقية، بل إغراق الجميع في وحل المشكلة لإنتاج مزيد من تراكمات الشتات والتمزق وشرخ المجتمع, كأرجوحة يمتطيها مترف تذهب وتأتي وتذهب وتأتي بلا اشتهاء، بلا إرادة، لا فائدة منها غير صرير ممل رتيب أرجوحة لا تتسع غير لفكر وضيعت كل الأفكار. ما نحن فيه اليوم هو نتاج لهذا التنافس العقيم والتباهي بالتوجهات السياسية، وضيعنا أهم الأشياء أدوات الدولة التي نحتاجها مهما كان شكلها، صرنا نبعد أميلا عن الدولة المدنية، وأميلا عن الدولة الدينية، قتلنا بأيدينا أدوات الدولة، وأحيينا أدوات ما قبل الدولة. اليوم التعصب هو المسيطر على العقل في مزايدة على بعضنا بمشاريع لم تعد بأيدينا، بل صارت أحلاماً، حتى فقدنا كل شيء جميل، بل فقدنا الحياة، وها هي الحرب تسكننا، وتحدد مصيرنا والرصاصة التي تخطئك سترشد عنك رصاصة أخرى لتنال منك، حرب لا تحترم العقل والعمر والجنس، أيها المتباهون. هائمون في تباهٍ يجيدون حسن الكلام واختيار المفردات التي تطرب الآذان، لكنها لا تصنع شيئاً في العقول، بل تشحنها بالعداء والضغينة والكراهية، في وطن يصرخ من هذا التباهي، وطن يمزق كأوراق، ويفرق البشر الى رفاق والأخوة الأعداء، وطن سقيم وحوله جدال عقيم، يتوارثه الجهل وبعض قليلي العلم المزايدين، وطن الفقراء من لم يمت في الحرب مات بالوباء ومن لم يمت سقيما مات جوعا، بلد المولود فيه ميت لا محالة، فهو غنيمة قوى العنف ووقود حربها المدمرة. أحدهم يتباهى بالعلمانية والآخر عقائدي متصلب، وجميعهم لا يهتمون لوطن، مهما كانت العمامة وربطة العنق، يتفقان في عقم خطابهم وترف جدلهم، والمتاجرة بأوجاع الناس وآلامهم ذاك باسم الدولة المدنية، وذاك باسم دولة الخلافة والإمامة، كذب المزايدون الموبوئون بمرض التباهي وان صدقوا. العالم يهتم بالنتائج، ماذا قدم هؤلاء لوطنهم، وأين موقعهم بين الأمم، كثر لغطهم حتى صاروا ضحية لأطماع غيرهم، صاروا مرتهنين للبداوة والعداوة، والقرش يلعب بحمران العيون، صاروا جنودا تحت الطلب والدفع المسبق وأبواقا تؤجج وتشعل نيران المشكلة، تاريخهم هو حاضرهم ومستقبلهم، لا خير فيهم ولا تغيير مرجو منهم، ما لم يصلحوا من ذواتهم ليكونوا قادرين على تغيير واقعهم.
أحمد ناصر حميدان
شرنقة الماضي 1304