مهما كانت المبررات التي تتخذها بعض النخب - ولا يعنيني هنا العامة التي تشحن بتعبئة خاطئة من قبل تلك النخب التي تدرك خطورة ومالات ما تقوم به – في ما يحدث على الواقع اليوم من انحطاط سياسي وإنساني تطور لانحطاط أخلاقي، نكران للهوية، والميول للتبعية والارتهان، تبني مشاريع صغيرة استعمارية، بث روح الكراهية والانتقام والعنصرية بشكل مقزز. يخطر في البال سؤال، تحيرني إجابته، وهو: هل ما يحدث غباء أم خيانة؟! دافع هذا السؤال المستفز، هو عدم قناعتي أن النخب وبكل ما تشبعت به من قيم ومبادئ وطنية وإنسانية وقرن من التاريخ النضالي، بل قرون من نضال أمة عريقة، وقراءات من تاريخ الأمم ودروس وعبر، لم استوعب بعد كيف تخلى كل هولا عن كل ذلك، وتركوا المعضلة الحقيقية ليدخلونا في جدل عقيم عن الهوية والمناطقية والطائفية، تركوا منظومة الحكم والسلطة، واتجهوا نحو الصغائر لتمزيق أواصر الأمة وشتاتها وإعادة إحياء النعرات واستدعاء ماضي سحيق من التخلف والجهل والعصبية، ليشحن جيلاً بالسلبية من كراهية وعنصرية وفئوية.. وغيرها من النعرات القاتلة لحياة الأمم. تلك النخب العقيمة هيأت لعصابة مارقة في الشمال تدعي الاصطفاء الإلهي وتحمل البندقية لتدمر أركان الجمهورية، وتجتاح المدن الحضرية، وهي اليوم تهيئ لعصابات مارقة تنهش مشروع الدولة الاتحادية في الجنوب وتحول مدنها الحضرية لبؤر تخلف وعصبية. كل ما نحن فيه من فشل تبعاته هي اختيارات ومواقف بعض النخب ضد مشروع الأمة، ضد الجمهورية والوحدة والديمقراطية والتعددية وضد الإنسانية وقيمها ومبادئها، تحول البعض لمجرد طفيلي يقتات على أشلاء الضحايا وأطلال وطن في بلاط السلطان، صفقوا للتوريث وحكم العسكر والعنف والمعارك الجانبية، دعموا منظومة الفساد والاستبداد والطغيان، برروا للقهر والظلم والتعسف، بل دعموا أركان التخلف والعصبية، وساهموا في قتل روح المدنية، هل كان باستطاعة جماعة مارقة متخلفة عصبية على راس سلطة أن تنتج كل هذه الكوارث دون نخب تلمع صورتها وتبرر قذارتها، طبعا لا، كان بإمكان النخب أن يكونوا في صف زملائهم الأحرار والشرفاء الذين ذاقوا مرارة مواقفهم من تلك النخب الفكرية والثقافية والأكاديمية الذين تحولوا لمخبرين. هنا تجد الإجابة على كثير من الأسئلة، لماذا لم يستطع الجنوب أن يكون مثالا حقيقيا للشعارات والهتافات التي رددت منذ سنوات، للدولة الحلم، والعدل والحرية والمواطنة؟ ولماذا أيضا يفشل مشروع الدولة الاتحادية ومخرجات الحوار الوطني التي احتوت تطلعات الناس، وكانت قابلة لإصلاح ما فيها من خلل بطرق راقية ؟ ولماذا أيضا يراهن الناس على ذات العقلية العصبية والقروية القادمة من رحم المشكلة لتبحث عن انتقام، وها هي تدمر وطن شمالا وجنوبا. ولازال بعض النخب تغرد من أوروبا وأميركا ودول ديمقراطية متحضرة يرسل نعراته وعصبيته عبر التواصل الاجتماعي على شكل مقالات ومنشورات، ليغذي روح الكراهية بين الأمة والعنصرية ويدعم الشتات والتمزق والازدراء من الآخرين واتهامهم بشتى التهم، بل يرسل فتاواه ليدمر الأواصر والقيم والمبادئ ويبرر لما يحدث، والقبح في كل ذلك هي حجة التحرر والاستقلال، مجرد شعارات للتبعية والارتهان، والوطن بسبب مثل هولا يهان والله المستعان.
أحمد ناصر حميدان
نخب هذا الزمان.. والله المستعان 1299