لماذا تمارس القوى البدائية والغير ديمقراطية الدعاية السوداء ضد تجمع الإصلاح؟ في الوقت الذي يتصدر فيه التجمع اليمني للإصلاح -كآخر قلعة جمهورية صلبة ومتماسكة- القوى الوطنية المختلفة المناهضة لانقلاب مليشيات الحوثيين الإمامية والعمل على استعادة الدولة والجمهورية، تحت راية السلطة الشرعية والتحالف العربي الداعم لها، نجد أن العديد من القوى الاجتماعية والسياسية البدائية والغير ديمقراطية تناست المعركة الرئيسية في البلاد، وتفرغت لتمارس التحريض والدعاية السوداء ضد الإصلاح، بدون أي مبررات أو أسباب منطقية تستدعي ذلك، وتستخدم في حملتها التحريضية ودعايتها السوداء مختلف الافتراءات والأكاذيب والادعاءات الباطلة والتشويه، وتعمل على نشر ثقافة الكراهية في أوساط المجتمع اليمني. كان الحوثيون هم أول من بدأ بممارسة التحريض والدعاية السوداء ضد تجمع الإصلاح، ثم لحقتهم في ذات الحملة العديد من القوى الاجتماعية والسياسية، التي تردد نفس الافتراءات والأكاذيب التي يحاول الحوثيون إلصاقها بالإصلاح، رغم أن بعض تلك القوى تدعي بأنها مساندة للسلطة الشرعية والتحالف العربي في الحرب على الحوثيين والنفوذ الإيراني في اليمن، بينما هي في الواقع تحولت إلى مجرد أبواق تمارس علاقات عامة ودعاية سوداء لصالح الانقلاب والمشروع الإمامي، كونها تردد نفس افتراءات وأكاذيب الحوثيين ودعايتهم السوداء ضد تجمع الإصلاح، وتعمل من أجل إضعاف وتفكيك آخر قلعة جمهورية صلبة ومتماسكة تقف في وجه الإمامة بعد عودتها بأبشع صورها. وإذا كان الحوثيون يهدفون من وراء تلك الافتراءات والأكاذيب إلى شيطنة الإصلاح وتجريده من قوته الاجتماعية التي ستقف حجر عثرة أمام مشروع الانقلاب، فإن تلك القوى من خلال ترديدها لافتراءات وأكاذيب الحوثيين فإنها بذلك تسعى إلى تجريد الإصلاح من قوته الاجتماعية أيضا، وبالتالي فإن ضعفه -إذا افترضنا ذلك تحت تأثير الدعاية السوداء- يعني ضعف السلطة الشرعية التي يعد الإصلاح أبرز المكونات السياسية والاجتماعية المساندة لها، ويعني ذلك أن ضعف السلطة الشرعية سيصب لصالح الحوثيين وعودة الإمامة من جديد. فيا ترى، ما هي أسباب حملة التحريض والدعاية السوداء هذه؟ وما هي مخاطرها السياسية والاجتماعية الآنية والمستقبلية؟ وكيف ستؤثر على الثقافة السياسية المتراكمة لليمنيين ومجمل الحياة السياسية في اليمن بشكل عام؟ - أسباب الدعاية السوداء تعددت أساليب الدعاية السوداء ضد التجمع اليمني للإصلاح لتشمل: الكذب، والتشويه، والافتراءات، والتحريض، والكراهية، وغير ذلك من الأساليب التي تعتمدها الدعاية السوداء، وتكون وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أبرز ساحاتها. وفيما يلي أسباب الدعاية السوداء التي تتبناها عدة قوى ضد الإصلاح: - أن القوى التي تتبنى هذه الدعاية لم تتشرب فكرة الديمقراطية والتعايش السلمي بين أفراد المجتمع وحقوق المواطنة المتساوية، لأنها أساسا قوى بدائية وغير ديمقراطية، وتنتمي إلى زمن ما قبل الدولة، ولذا فهي لا يمكن أن تحتمل وجود ديمقراطية وتنظيمات سياسية حديثة لها شعبية كبيرة. وبما أنها غير قادرة على المنافسة واكتساب شعبية في أوساط الجماهير، كونها تنتمي إلى زمن غير زمانهم، فإن البديل لديها هو استخدام الدعاية السوداء بغرض تشويه الآخرين وبالتالي إضعافهم، أي أن عدم قدرتها على اكتساب شعبية جماهيرية يدفعها لتجريد الآخرين من شعبيتهم بمختلف الوسائل القذرة والبدائية. - بعض النخب السياسية وبعض الأحزاب المنخرطة في الدعاية السوداء ضد الإصلاح، يعود ذلك لكونها أحزاب ونخب نشأت وظهرت في زمن ظهور الأحزاب العربية الحاكمة الشمولية، والتي لم تكن تؤمن بالديمقراطية والتعددية السياسية وحرية الرأي والتعبير، وهو ما يعني أن استمرار الميراث السياسي للشمولية والفشل ألقى بظلاله الكئيبة على الوضع الحالي في البلاد، وأن نشأة تلك الأحزاب والنخب في مناخ شمولي وغير ديمقراطي ولا يؤمن بالتعددية السياسية وحرية الرأي والتعبير، كل ذلك جعلها لا تحتمل فكرة الديمقراطية ولا تحتمل التعددية السياسية والحزبية والمنافسة الشريفة على السلطة، كون ذلك يتعارض مع ثقافتها السياسية، ولذلك فهي تسعى جاهدة لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، وتعمل على إقصاء الآخرين من الحياة السياسية ومصادرة حقوقهم التي كفلها الدستور والقانون، بل وإقصائهم من الحياة بكلها من خلال الاختطافات والإخفاء القسري والاغتيالات وغيرها. - القاسم المشترك بين مختلف القوى البدائية والغير ديمقراطية المنخرطة في الدعاية السوداء ضد تجمع الإصلاح، هو أنه لكل واحدة منها مشروعها الصغير الضيق المتعارض مع المفهوم الحديث للدولة والمتعارض مع الوحدة الوطنية والديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية والمواطنة المتساوية، وهذه المشاريع قد تكون إما طائفية مذهبية وسلالية عنصرية، أو قبلية، أو مناطقية، أو عائلية، وهي مشاريع ضيقة وتنتمي إلى زمن ما قبل الدولة، ويرى أصحاب هذه المشاريع أن تجمع الإصلاح، بفكره الجمهوري وامتداده الوطني العابر للطائفية والمذهبية والسلالية والقبلية والمناطقية، يشكل أبرز العقبات أمام مشاريعهم، ولهذا السبب نراهم كلهم احتشدوا في حملة الدعاية السوداء والتحريض ضده، ونشر ثقافة الكراهية في أوساط المجتمع. - تتصف بعض القوى التي تمارس الدعاية السوداء ضد تجمع الإصلاح، بأنها مجرد مليشيات مسلحة تشكلت بعيدا عن سلطة الدولة، وتسعى لتقويض الدولة ذاتها، أي أنها نسفت مفهوم الدولة من أساسه قبل أن تبدأ دعايتها السوداء ضد الإصلاح، وهذا أمر ليس بمستغرب، بل فالمستغرب هو أن يحصل منها عكس ذلك، لأن المليشيات المتمردة على سلطة الدولة تعد من أسوأ القوى البدائية والتي تنتمي إلى زمن ما قبل الدولة، ومن الطبيعي أن تصدر منها تصرفات بدائية ومتخلفة تعكس ثقافتها السياسية المتخلفة. - مخاطر الدعاية السوداء لا شك أن لحملة التحريض والدعاية السوداء التي تمارسها القوى السياسية البدائية والغير ديمقراطية ضد الإصلاح مخاطرها وآثارها السياسية والاجتماعية، والتي سينعكس معظمها على هذه القوى ذاتها، لأن الدعاية السوداء تعد من أبرز من ظواهر الشذوذ السياسي، ولا تمارسها إلا فئات شاذة سياسيا، وليس لديها أي مشروع تقدمه للشعب سوى مشروع الدعاية السوداء الممنهجة ضد تيار سياسي محدد عرف بتوجهه الوطني، وتعمل أيضا على تقويض السلطة الشرعية وتتمرد عليها، أي أنها بأفعالها تنفر الشعب منها، وتقدم نفسها كقوى انتهازية وبدائية ومتخلفة، مما يفقدها الثقة في أوساط الشعب، وحتى في أوساط من تظن أنهم أتباعها، أو كانوا أتباعا لها في مرحلة سابقة. وفي نفس الوقت، فإن استمرار مثل هذه الحملات من شأنه التأسيس لثقافة سياسية جديدة في أوساط المجتمع اليمني، وهي ثقافة النيل من الخصوم السياسيين من خلال مختلف وسائل الدعاية السوداء، وستكون مثل تلك القوى الانتهازية الأكثر عرضة لها في مرحلة ما بعد الانقلاب، خاصة أنها بلا مشروع وطني، وليس لديها أي سجل وطني مشرف يمكنها المزايدة به على القوى الأخرى، وليس بإمكانها مواجهة تبعات أي دعاية سوداء ستمارس ضدها من قبل أي تيار أو فصيل سياسي يؤمن بسلطة الدولة وبحقوق المواطنة المتساوية، لأن سجلها السيء سيقدم مادة دسمة للدعاية السوداء ضدها، وهو ما لن تقوى على تحمله. أخيرا، يمكن القول بأن ظهور قوى بدائية وغير ديمقراطية، في هذه المرحلة بالذات، يعد نتيجة طبيعية للاختلالات السياسية التي تراكمت خلال عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وهي الاختلالات التي أدت إلى الانقلاب على السلطة الشرعية، وارتماء العديد من القوى والنخب السياسية التي كانت تدعي الحداثة والتقدم في أحضان أسوأ جماعة عنصرية سلالية ومتطرفة قدمت من كهوف صعدة. ويشكل ظهور هذه القوى البدائية، وانخراطها جميعا في مشاريع تدميرية للوطن ووحدته، وصمة عار ونقطة سوداء في تاريخ اليمن المعاصر، وسوف تزول هذه القوى بعد أن يتم القضاء على الانقلاب وتنتهي مختلف الاختلالات السياسية والاجتماعية التي ظهرت من بين ركامها قوى بدائية وغير ديمقراطية تسعى لهدم الوطن من أجل مصالح ضيقة، وتنسف مبدأ المواطنة المتساوية وتعمل على إقصاء الآخرين بسبب تناقض مشروعهم الوطني مع مشاريعها التي تنتمي إلى زمن ما قبل الدولة.
عبدالسلام قائد
ثقافة الكراهية.. 681