تشغل الشرعية في معارك جانبية تلهيها عن معركتها الرئيسية، الانتصار لإرادة الناس التي تمخضت في الحوار الوطني، بمخرجات دولة اتحادية ضامنة للمواطنة والحريات والعدالة، تشرك الجميع دون استثناء بالسلطة والثروة. مخرجات كانت القضية الجنوبية محوراً رئيسياً من محاوره، نصت بنودها على جنوب مستقل جنوب قوي شريك بالند، بعد أن تتشكل مؤسساته، قادر على أن يحدد مصيره الشرعي والقانوني، ولماذا إذن هذه المعارك الجانبية والعبثية التي تحاول حرف مسار المعركة، لتجعل الجنوب بؤرة صراع وحروب واقتتال لا يمكن أن يخدم قضيته العادلة؟ بل يزيد من حجم التراكمات والشروخ الاجتماعية في عملية تأزيم تخدم أطرافاً سياسية للاستئثار بالسلطة والثروة، وتنفذ أجندات وأطماع قوى إقليمية ودولية، تجعل الجنوب مريضاً فاقداً للسيادة والإرادة. ما يحدث في عدن من احتقان وما حدث في سقطرى وشبوة من اقتتال ومواجهات، في الظاهر الحق الجنوبي والباطن هو انقلاب على الشرعية ومشروعها، للاستئثار والاستحواذ بمصادر الثروة والإيرادات، هو ضغط إماراتي بأدواته المحلية للضغط على الشرعية بالقبول للإملاءات، والتفريط بالسيادة والإرادة والاستقلال الذاتي، بالتنازل بحق إدارة البلد بمناطقه المحررة اقتصادياً وسياسياً لتكون شرعية مجرد أداة تديرها تلك الأطماع. ذلك هو السبب الرئيس المعيق للدولة وترسيخ مؤسساتها، وتنظيم إراداتها، ادارة مؤسساتها الإيرادية ومصادر الثروة، لتعد ميزانية تنظم إيقاع الحياة، لضمان الرواتب والعلاوات والتسويات والتوظيفات، المعيق للعدالة وتفعيل القضاء والنيابة والرقابة والمحاسبة ومنظمات المجتمع المدني، تابع تحركات الكيانات الطارئة التي أسست لهذا الغرض كلما نشط جانب مؤسسي ليعلن عن الدولة. الجنوب وطن وهوية، في إطار الدولة اليمنية، من حق الجنوب أن يحفظ سيادته وإرادته كشريك مهم في هذه الدولة الاتحادية، بل أتيحت له الفرص ليدير هذا المشروع الوطني، من عدن التي فرضت عاصمة مؤقتة، منها ينطلق الشرفاء والأحرار والمناضلون ليحققوا المواطنة والعدل والحريات، منها يقدمون مثالاً رائعاً وسامياً ونبيلاً، جاذباً للحق رافضاً للباطل، منها ستنطوي صفحة الألم والمآسي والصراعات والحروب، لتفتح صفحة بيضاء من الحب والتسامح والتوافق، لتحول موعود نحو مستقبل منشود فيه الجميع شركاء في دولة عادلة يسودها النظام والقانون، والشراكة الحقيقية في السلطة والثروة، وطن يستوعب كل أبنائه، يرفض التآمر والتبعية، يرسخ الدولة الوطنية التي تحفظ الإرادة والاستقلال والسيادة دون إملاءات وخنوع واستسلام، لنكون أمة محترمة بين الأمم. الجنوب وطن لا يقبل الوصاية، كان تفويضه مشروطاً بكيان جامع، ليرسخ الشراكة الحقيقية، كيان يستظل تحته كل الأطياف والمشارب الفكرية والسياسية والعقائدية، كيان ينظر للمستقبل تاركاً خلفه الماضي بكل تراكماته، ليتعافى وطن وترمم فيه الشروخ، وتردم الهوة بين أبنائه، لتبنى جسور الثقة، رأب الصدوع، هذه هي شروط التفويض التي لا ترتبط بفرد ولا بمنطقة ولا أيدلوجيا، ولكن ما حدث غيّر من مسار القضية وعدالتها وقيمها، وتحوّل المكون لمجرد أداة في تأجيج صراعات الماضي، بل استدعى خصوماته بفجور وعنف، وبدأ إعلان اجتثاث الآخر دون حق دستوري ولا شعبي، وبدأت تسمع صوت الغلو والتعصب، فتاوى التكفير والتجريم والتخوين، وسُفكت الدماء والأرواح البريئة، ونُفذت الأحكام خارج القانون وفُتحت السجون للتعذيب، وأُسست مليشيات خارج سلطة الدولة لتنفذ أجندات إعاقة الدولة، أجندات إخضاع الدولة للوصاية، وتسليم المؤسسات السيادية ومصادر الثروة للطامعين بوطن، وطن نصفه مقهور مهان منفي، والنصف الآخر مسلوب الإرادة والسيادة مجرد أداة مدفوعة الثمن تنفذ أجندات لا علاقة لها بوطن ولا جنوب ولا شمال، تلك مجرد تسميات لتنفيذ ما يريدون، والبقية أكواز تضع من حين لآخر وقت الحاجة في منصات، لتسحر الناظرين بأوهام، تنبّه لها الكثير ورفض الاستمرار كأداة في سيناريو قذر، قليل من لازال مسحوراً مسلوباً يعيش وهم القوة والسيطرة والوصاية على الناس والوطن.
أحمد ناصر حميدان
معارك جانبية 1232