مواقع تواصل الاجتماعي تعكس الواقع بكل تناقضاته وانقساماته، تعكس العقلية ومستواها من الوعي لفهم أولويات وتحديات هذا الواقع، تعكس النظرة السطحية للبعض وهو يوصف ما يدور لخدمته، أنها فتن تستهدفه، ويتهم الآخر بذلك، ويقدم كيانه الوطني النزيه حامل مشروع الحق وعلى الآخرين ان ينطووا فيه، لتبرئة ذمتهم او هم على ضلال، يصفهم بالأعداء والخونة والمتآمرين والمرتزقة..... الخ. بينما المنطق والعقل والبحث العلمي، يعتبر ما يحدث مؤشراً لجوهر المشكلة، علينا دراستها جيدا لنحدد الحل الناجع لتجاوز تلك المشكلة، حلا يلبي تطلعات الجميع وينظم تلك التناقضات، لتكن خيرا وثراء للحياة، لا شرا مدمر لها. العقلية المتعصبة، تفكر بسطحية، أن المشكلة معي أو ضدي، وتنتج مشكلات، ومجتمع منقسم متناحر، عقلية تعيش الوهم والأمنيات، تبني حلولها على تلك الأمنيات التي تعتبرها ثوابت وطنية، من يرفض أمنياتها هو عدوها، في حب للذات يرفض الآخر قناعاته أمنياته، حقه بالاختيار وكشريك في الحياة له ما لها وعليه ما عليها. منذ الاستقلال في الشمال والجنوب معاً، لدينا تراكمات ضخمة من المآسي والآلام، لازالت آثارها في النفوس والعقول مؤثره على الكثير منا، يرفض البعض القبول بعودة تلك المراحل بسلوكياتها وثقافتها، يرفض القبول بعودة الشمولية والإقصاء والتهميش والاجتثاث، يرفض الشعارات والحشد والتحشيد مهما كانت المسميات، وهو يرى العدالة تنتهك والحرية تصادر والمواطنة تغيب، وهو يرى التلويح بالسوط القديم الذي جلد أسلافه، يرفض القادم الذي لا يقدم تغيير حقيقي للماضي، يرفض أن يكون مصفق ومطبل لواقع لا يشعر فيه بالرضاء والاستقرار. الناس تعيش رهاب الماضي، وترفض من لا يقدم لها الطمأنينة لمستقبل متغير فيه الثوابت هي المواطنة والعدالة والحرية الضامنة لكرامة الإنسان، الناس ترفض حكم فئة ومنطقة وحزب ومكون وفكر وأيدلوجيا، والآخر تابع مستسلم خاضع مهان، ترفض ما يدور من أجندات وما يحاك من مؤامرات يفقد فيها الوطن إرادته وسيادته. وللأسف لدينا سياسيون بعقلية سطحية، سياسيون ليسوا في مستوى الرهان لتقديم حل يلبي تطلعات الأمة، سياسيون معركتهم مرتبطة بالماضي أكثر من المستقبل، لديهم قائمة حساب يصفونها وروح منتقمة تحشد وتدفع بالأبرياء لتلك المعركة، لا يهمهم كم قتل وكم بري سفك دمه، لا يهمهم الشروخ الاجتماعي والوطنية بل تخدمهم، لا يهم وطن بقدر همهم مصالحهم، مستمرين في مسلسل الماضي البائس والمؤلم لمزيد من المعاناة والفوضى والعبث. سياسيون لا يحترمون هذه الأمة، يدفعون بالتصعيد والتأزيم بأذنابهم للفوضى ثم ينفون ببيان سخيف، حتى صاروا مسخرة أمام العقل والمنطق، من دفع باقتحام الاتحاد العام للنقابات، الذي لم يجرؤ على اقتحامه الطغاة في قمة طغيانهم، اقتحام الاتحاد العام للنقابات يقدّم لنا الصورة واضحة للعقلية التي تريد أن تحكم بالقوة ومنفردة وبعقول غير مؤهلة ولا مهنية، عقلية ثورة لا إصلاح، لا انتخابات ولا شرعية. نحن نناضل منذ زمن لتحرير الاتحاد والنقابات من سلطة الحزبية ليكونا كيانات مهنية وحقوقية، مع تغيير قيادة الاتحاد التي لم تعد مؤهلة لمستقبل مأمول، ما نحتاجه هو دورة انتخابية شاملة لتغيير البنية النقابية وتفعليها إيجابيا لتساهم في التنمية لضمان حقوق العمال وكرامتهم، بطريقة حضرية سلسة، دون اقتحام واستئثار واستحواذ، وللاتحاد أدبيات و وثائق وأعضاء منخرطون ببطاقاتهم وكشوفاتهم المدونة كأعضاء في النقابات العامة المنطوية تحت قيادة الاتحاد، فهل المقتحمون أعضاء في هذا الاتحاد ولديهم بطاقات عضوية، أم هم كيانات طارئة صنعها السياسي السخيف كأدوات فوضى وعبث يحركها كدمى، هؤلاء هم قوى التأزيم، حيثما وجدوا فرصة ضربوا ضربتهم الموجعة للديمقراطية والحياة السياسية والاجتماعية، وقالوا مناضلين، ولله في عباده شؤون.
أحمد ناصر حميدان
عدن وقوى التأزيم 1212