التعالي الغربي بالتطور. وكل ما سواه من مجتمعات شرقية متخلفة متوحشة. وما يعتبرونه من واجب أخلاقي بنقل الحضارة والديمقراطية إلى الشرق كي يتطور. وعلى الشرق أن يتعلم ويقلد ليحاول اللحاق بتطورهم وتقدمهم. اليوم الشرق الأسيوي وبالذات من الصين. ينافس بقوة. لم يحتج غير التنمية البشرية، بتركيز على الإنسان كعقل منتج إيجابي مبدع ومبتكر متسلح بالوعي القادر على إنتاج الحلول، متجاوز للعصبيات والصراعات العرقية والطوائف، بوعي وثقافة ديمقراطية. فتجاوزوا خلافاتهم وجعلوا من اختلافهم ثراء اجتماعياً وسياسياً، لا نقمة ومصدراً للصراعات والحروب, بالفصل القانوني بين الحق الخاص الذي يراعي الحق العام.. الحرية الخاصة التي لا تضر بالحرية العامة. الاهتمام بالثقافة الاجتماعية التي تبني المجتمعات وتطور فيها القيم والمبادئ التي يرتقي فيها الفرد وطنياً وإنسانياً وديمقراطياً.. فيضع المصالح العامة فوق كل المصالح الضيقة.. مجتمع كهذا متعافٍ من الأمراض صعب أن تجد فيه الوصاية مجال اختراق وأدوات تنفيذ. لا تتطور الأمم دون ثقافة اجتماعية قابلة للتطور، ما يعيق المجتمعات على التغيير والتطور.. أن فيها ثقافة اجتماعية بالية منذ مئات السنين قيم لم تتطور، بقت ثابته باختلاف الزمان. وبقي الإنسان مأسوراً لتلك الثقافة البالية.. من الصعب عليه مواكبة تطورات العصر.. بعقل متحجر ومتصلب يعيش الماضي السحيق أكثر مما يعيش حاضره ويفكّر في مستقبله.. ثقافة لا تبني مجتمعات محترمة لترتكز على الفكر والإبداع والشراكة واحترام الآخر.. وحفظ حريته، بل تنتج مجتمعات متناقضة ترسخ فيها التناحر ومصلحة الفرد والطبقة التي تضيق الخناق عن المصلحة العامة والحق العام. للأسف أن تلك المجتمعات هي مجتمعاتنا العربية تختلف باختلاف نسبة التخلف والعصبية. وهي عصية على التغيير. عندما تفكر بالتغيير تتصدر المشهد العصبيات الصغيرة. ويستدعى الماضي بكل تراكماته. ويتحول التغيير لفوضى عارمة. وتجد الثورات المضادة مبرراتها وأدواتها في العمل المعيق للتغيير. يبرز الانتقام والأحقاد والضغائن التي تغذي الحروب على السلطة والثروة. وتبرز المصالح الصغيرة الخاصة والطبقية لتعيق المصالح العامة وهم الوطن.. وتعود للواجهة مشاريع استعمارية عصبوية عفى عنها الزمن.. هذا ما حدث لبلدي اليمن مجرد التفكير بالتغيير كشف عن حجم التخلف والعصبية.. والإنسان المصاب بالقهر والإهمال وفاقد للوعي.. تاه عن معركته الوطنية الكبيرة لمعارك صغيرة عصبية طبقية. باصطفاف واختيار غير وطني. فاصطف ذوي العلم والثقافة تحت مظلة التخلف والعصبية. ليسدل الستار عن كارثة الوعي الاجتماعي لدى هولا في الشمال والجنوب معا. ترك الكثير من جهابذة العلم والمعرفة والثقافة، الأفكار والأهداف ليتحولوا لأدوات عصبية ومناطقية ومذهبية.. تركوا الحرية واستحسنوا صناعة أصنام بشرية من العدم. ليعيدوا إنتاج ماضيهم بأسوأ صورة.. اختاروا من مقدمة احتجاجاتهم من هم أكثر تعصباً في المواقف وأكثر بطشاً وتهوراً في الممارسات، بمواصفات عسكرية مناطقية ليصنعوا منهم أصناماً لمشروع طائفي أو مناطقي بل استعماري عفن.. مشاريع رفضها الأسلاف والأحرار منذ زمن. في هكذا مجتمع، لا تستغرب ما ينشر من أكاذيب وشائعات وتزوير للحقائق، لأنها تجد قبولاً وترسّخ واقعاً يلبّي قناعات مشوهة، لكنها تهدد تطلعات شعب وأمة تطمح للتغيير والنهضة.. ومن هنا يحدث تصادم في الوعي بين المتطلعين للتغيير والمعيقين له. لو أدرك الوعي السياسي أسباب فشل الوحدة لعرف أنها هي نفس أسباب فشل الانفصال اليوم. لأن الوحدة والانفصال مجرد وسائل تلبّي تطلعات وأهداف سامية.. لا معنى لها مالم تحقق تلك التطلعات، مالم تحفظ كرامة الإنسان وحريته وحقه في الحياة والعدل.. ما يحدث على الواقع اليوم يبرهن أن العقلية هي نفسها من أفشلت الوحدة وستفشل تطلعات الناس في مستقبل منشود مهما كانت المسميات.
أحمد ناصر حميدان
ثقافة الوصاية 1218