لقد خلّد التاريخ في صفحاته، اسم السيدة زبيدة بنت جعفر- زوج الخليفة العباسي الشهير هارون الرشيد- فقبل الإسلام كان هناك طريق تجاري يصل ما بين الكوفة في العراق ومكة المكرمة،. وبعد الفتح الإسلامي للعراق ازدادت أهمية هذه الطريق فأصبحت طريقا للحجاج والمعتمرين ولكل قادم من العراق وما جاورها من البلدان إلى مكة المكرمة. اهتم خلفاء بني العباس بتحسين هذه الطريق.. إلا أن الإسهام الكبير كان للسيدة زبيدة فقد أصلحت الطريق وأوسعتها وبنت الاستراحات والحصون وخزانات المياه. وأبراج المراقبة على طول هذا الدرب. ورصفت أرضيته بالحجارة في المناطق الرملية. وأقيمت عليه العلامات والمنارات والمشاعل ومواقد توضح مساره ليهتدي بها المسافرون. كان هذا على امتداد أكثر من ألف وأربعمائة كيلومتر. وعلى نفقتها الخاصة، فهي بنت الخلفاء وزوجة الخليفة وأم الخليفة. وقد سمّي هذا الدرب بعد ذلك باسمها وأصبح يعرف في كتب التاريخ بـ (درب زبيدة) أو (طريق زبيدة) وهذا نوع من المكافأة الدنيوية لها، وما عند الله خيرُ وأبقى.. تذكرت هذا العمل الرائع وأنا كغيري نتابع أخبار الموت اليومية القادمة إلينا من طريق العبر، ففي مثل هذه الأيام من العام الماضي ضجت مواقع التواصل بأخبار الموت المباغت في طريق العبر، حيث سقط هناك العشرات وهم في طريقهم للعمرة أو عائدون منها.. خرج الكثير من المسؤولين حينها ليصرحوا أن مشكلة طريق العبر في طريقها للحل وأن السعودية أبدت استعدادها لإصلاح هذا الخط الحيوي وجعله من الخطوط المميزة في اليمن.. ظهرت شخصيات سعودية وهي تتفقد الخط.. صفق الكثير وقتها للسعودية وشكروها على هذه اللفتة الإنسانية. وعندها كتبت منشور في صفحتي قلت فيه" أخشى أو يأتي رمضان القادم ونحن نتكلم عن نفس المشكلة، وها نحن الآن في رمضان وأخبار الموت اليومي تصلنا تباعاً من طريق العبر، وآخرها فاجعة رحيل العلامة المحدث الشيخ الفاضل/ حسن الغراب، مع زوجته في هذا الخط القاتل، ولو وضعنا الشيخ حسن رحمه الله في كفة والعديد من مسؤولي الشرعية في كفة لرجحت كفة الشيخ حسن علما وفضلا، مهما قلنا من كلمات في حق هذه الشرعية الرخوة وهذا التحالف الغدار فلن نشفي غليلنا. الخط البري الوحيد تقريبا الذي يربط اليمن بالعالم الخارجي ويعبر من خلاله الملايين سنوياً، منذ اربع سنوات ونداءات الاستغاثة والترجي للتحالف والشرعية تنطلق من حناجر اليمنيين لإصلاح هذا الخط الذي يحصد الأرواح من دون نتيجة.. كم من الأحباب والأصحاب سقطوا في هذا الخط؟ كم من الأسر سقطت بالكامل في هذا الخط؟ دون أو يهتز جفن لهؤلاء.. والله الذي لا إله غيره- ومن خلال التجربة- لو أو هذا الخط يسير عليه الأمريكي والبريطاني لبادر التحالف بجعله أفضل خط في اليمن، وسيكون أربعة خطوط بدلاً من خط واحد، لكن الذي يسير على هذا الخط هو المواطن اليمني الذي لا قيمة لحياته عندهم فهم يعدونه من سقط المتاع،، عطلوا علينا وضايقوا طريق الجو وخذلونا في طريق البر.. استحلفكم بالله هل دولة بحجم السعودية عاجزة عن إصلاح طريق طوله أقل من (300) كيلو متر؟ لا والله ليست عاجزة على الإطلاق لكنه الـ.... والـ...... أيها الملك/ سلمان بن عبد العزيز، يا خادم الحرمين الشريفين، أو ما يقرب من 50% من العابرين على هذا الخط هم من ضيوف الرحمن إما للعمرة أو الحج.. أفلا يستحقون منكم لفته وتذليل الدرب لهم طالما وقد أصبحت كل الملفات اليمنية بأيديكم انتم وأصبحت الشرعية أسيرة عندكم ؟.. أيها الأشقاء لو سمحتم للشرعية لتواصلت مع أي دولة خليجية لإصلاح خط العبر، دولة شقيقة مثل الكويت أو قطر أو عمان أو دولة صديقة مثل الصين، وكانت مشكلة هذا الخط انتهت من زمان فالقضية لا تستأهل.. لكنكم لم ولن تسمحوا لها ولم تقوموا أيضا بإصلاح الخط.. قطعتم على أنفسكم وعودا كثيرة تجاه الشعب اليمني ولم توفوا بواحدٍ منها على الإطلاق. قلتم أو تدخلكم في اليمن هو من أجل إرجاع الشرعية ومن أجل الحياة الكريمة لأبناء اليمن، لكنكم احتجزتم الشرعية عندكم وجففتم ومنعتم عليها جميع الموارد المالية من البترول والغاز والموانئ وغيرها وجعلتموها تنتظر ما تجودون به عليها، وأحللتم وشجعتم بدلا عنها المليشيات المسلحة داخل البلاد. فانعدم الأمن وعمت الفوضى وانتشر الفقر وأصبح الكثير من المواطنين يبحثون عن الطعام في براميل القمامة، وعدتم أكثر من مرة بإعادة النظر بخصوص أوضاع المغتربين ولم يتحقق شي. وعدتم بإصلاح خط العبر فلم يحصل ذلك، وهذه النقاط على سبيل المثال لا الحصر، فماذا تريدون منا بالضبط ؟ لماذا تعبثوا بنا وببلادنا هذا العبث وتعاملونا هذه المعاملة؟. مستغلين في ذلك شرعية رخوة منبطحة يقودها اضعف رئيس قد مر في تاريخ اليمن. ونخب سياسية هي أسوأ ما أفرزته المرحلة، هل من مصلحتكم زرع الكره والحقد تجاهكم في نفوس اكثر من ثلاثين مليون نسمة ويتوارثونها جيلا بعد جيل بسبب أعمالكم وتصرفاتكم ؟ هل هذا من المصلحة ومن الحكمة؟ ستبقى طريق العبر معبرة عن الوجه الحقيقي لوجودكم في اليمن، وسيظل كل يمني يسقط في طريق العبر يذكرنا بموقفكم تجاهنا.. وسنظل نتساءل ونقول لقد هيأ الله (زُبيدة بنت جعفر) لطريق العراق مكة المكرمة فهل من زُبيدة لخط العبر؟
د.كمال البعداني
طريق زُبيدة وطريق العبر. 1450