الشعب- بكل شرائحه واصطفافاته السياسية والطائفية والمناطقية- هم أكثر بؤسا من السياسيين أنفسهم، ومن يقودون المجتمع لذلك الاصطفاف القذر. الشرائح الشعبية- التي صدقت الحوثي على أنه حالة ثورية، وأن هدفه هو إسقاط الجرعة من على كاهل- تلك الشرائح التي كان ولازال يخاطبها كثوري قادم من جبال مران لينتشلها من الظلم والقهر والتعسف.. مر الوقت الكافي ليعرف الناس أن كل ذلك هراء، بعد أن استطاع الحوثي خداع الشعب بعض الوقت، لا يستطيع خداعهم كل الوقت، وبدأ في الأدلجة، أدلجة أفكارهم طائفياً ومناطقياً، لهدف حقن المجتمع بوهم التطلعات والآمال التي لا يمكن أن تتحقق إلا في إطار المشروع الطائفي أو المناطقي، أو الأيدلوجي.. ومن يعيش هذا الوهم صار طائفياً ومناطقياً مع مرتبة الشرف، مدافعاً ومستبسلاً من أجل هذا المشروع القذر.. هم اليوم ما تبقى من اصطفاف مع هذه المشاريع في الشمال والجنوب. كل هذه المشاريع تمثل مخاطر التمايز والتسلط والهيمنة التي عانينا منها كثيراً، مخاطر كشف الحوار الوطني ومخرجاته عن حقيقة تلك المشاريع التي تبدأ بالشعارات، وتنتهي بالإقصاء وتصفية الحسابات، التي تدعي استعادة الحق، وحقيقتها هي سلب الحق من أصحابه، لصالح جماعة ومكونات أعطت لنفسها الحق دون غيرها، جماعة ترفض كلياً وجزئياً كل ما هو مغاير ومختلف عنها ومعها. بنظرة بسيطة، بحلم بسيط، بمستوى بساطة الإنسان، قارن بين القيادات والقواعد في تلك المناطق التي ترسخ فيها هذه المشاريع، القيادات التي تعيش في بروج عالية، وحراسات ومواكب، والناس تعاني ضيق الحال، لصوص المال العام والإيرادات، البسط على الحق العام والحق الخاص، ومليشيات تدعم ذلك وتحمي الناهبين واللصوص، والناس تشعر ببعد الأحلام والتطلعات، وكلما ضاق الناس ذرعاً، كلما شعرت تلك القيادات بحلقة تضيق من حولها وتخنقها، وتهرب من هذه الحلقة لتوسع من معركتها، تفتح جبهات في الحدود، وجبهات في الداخل بمبررات كسابقتها لا معنى لها غير استمرار المعارك، للبقاء فترة أطول في سلطة أمر واقع، مع مراوغة في المعركة السياسية والحوار، بهدف مضيعة للوقت والجهد وعدم تقديم أي تنازلات، بحيث لا مجال للحل غير الحسم العسكري الذي يدمّر ما تبقى من وطن وإنسان، وهو آخر اهتماماتهم. تجربة مريرة، وكارثة وقعت فيها الشرعية مع هكذا مشاريع، لم تقتصر على الشمال.. اليوم تكرر التجربة وبغباء في الجنوب، مما جعل من عدن وقع طارد للدولة والمؤسسات الملتزمة للنظام والقانون، وبرزت للسطح المكونات الطارئة كفاعل عابث بالحياة، والسبب الرئيسي لمعاناة الناس، وكلما شعرت تلك المكونات بشيء من الدولة يترسخ جن جنونها، خاصة فيما يتعلق بضبط موارد الدولة، لتصب في موازنة دولة وبنود تشغيل ورواتب وتحسين مستوى تلك الرواتب لتتحسن حياة الناس، هذا معناه خسارة مصالح الناهبين للإيرادات والعابثين بموارد الدولة، الذين أصبحوا رأس مال يواجه الدولة، ما لم يكن إيرادهم أكثر من الدولة، هم اليوم يحمون مصالحهم، وتتملكهم رغبة بالتمدد، باحثين عن المزيد، بعد عدن ولحج وأبين، يطمحون بحضرموت، وهي عصية على المتمردين والعابثين، فيها رجالها أقدر وأشرف على حمايتها. إنها المشاريع الصغيرة التي تتوحد معاً ضد مشروع الدولة الاتحادية، الحل الأمثل للجميع، شمالاً وجنوباً. والوصفة السحرية للتخلص من الهيمنة والتسلط والاستحواذ والإقصاء والاستئثار بالسلطة والثروة، دولة ضامنة للمواطنة والحريات والعدالة، بالضرورة يرفضها الظالمون والمتسلطون والعنصريون والكارهون والباغون، هي دولة الحب والتسامح والتوافق والارتقاء والنهضة والاحترام.
أحمد ناصر حميدان
وحدة أفكار المشاريع الصغيرة 1210