تأخذ الغربة في أدب محمد عبد الولي حيزا كبيراً من أدبه، فالغربة هي القضية التي أعطاها حقها وأولاها اهتماما كبيرا.. ولأجلها سخّر قلمه لتلك القضايا وهذا سر ذيوعه كقاص. وكما يعتقد الكثيرين من الدراسين لأدبه، فالغربة هي أبرز قضايا زمان عبد الولي، فقد تكبّد وتربّى وشاهد عشرات المغتربين في المهجر.. وهنالك سبب آخر إلى أن حياة عبد الولي كانت غربة في غربة، حينما كان يتنقل بين محافظات شطري اليمن المنقسم –آنذاك.. وحينما نبحر في إحدى قصصه الطويلة والتي طبعت على أنها رواية نجد أن أكثر الأسباب للغربة هي البؤس والفقر وذلك بسبب قسوة النظام القائم- آنذاك- وبطشه. ولنا هنا أن نبرهن على العديد من التنويرين اليمنيين الكبار أمثال محمد محمود الزبيري الذي ظل متنقلاَ في بلدان الله، وهذا مقطع مما كتبة: مال اليمانيين في لحاظتهم*** بؤس وفي أنّاتهم آلام جهـل وأمراض وفقر فــادح*** ومجاعة ومخافة و" إمـام" ما كتبه عبد الولي من أدب خالد يتحدى الزمان أن يتناسه، ً ذلك لأنه في المقام الأول كاتب صادق مع نفسه، ومجتمعه ولأنه سخّر قلمه لما يتطلبه عصره، بل وخصصه على الغربة التي هي وطن، والتي ظلت تثير جدلاً ومازالت حتى يومنا هذا وهذا الذي جعلني أعد هذه المادة.. وأتمنى أن تسهم في الإثراء وتضاف إلى قائمة دراسات أخرى لأدب عبد الولي... نستطيع أن نقول إن عصر عبد الولي، شهد بروز أدباء آخريين هم الآن بمثابه المعالم الهامة لليمن. منهم على سبيل المثل لا الحصر، زيد مطيع دماج، صاحب رواية الرهينة التي أثارت جدلاً واسعاً، بل إن أحد الكتّاب تطرّق إليها في مجلة الدوحة إلى أنها الرواية التي بعثت مرتين ذلك لأن الأحداث السياسية التي تعيشها البلاد وسيطرة جماعة الحوثي على مقاليد الحكم واستلهام أحداث الماضي، خصوصا ما يتعلق بالاعتقالات التي هي أقرب إلى أخذ الرهائن في زمان الإمامة. نقتطف مما كتبه جمال جبران في مجلة الدوحة العدد 84 أكتوبر 2014م: ((ما تزال رواية الرهينة» للكاتب اليمنيّ زيد مطيع دمّاج (1943 - 2000) تثير إشكالياتها حتّى بعد ثلاثين عاماً على صدورها، وبعد أربعة عشر عاماً من رحيل صاحبها، حيث عاد النقاش حولها مجدَّداً بالتزامن مع الظرف السياسيّ والاجتماعي والمذهبي الحرج الذي تمرّ به اليمن اليوم. وهي العمل الأدبيّ الذي اختاره اتّحاد الأدباء العرب بوصفه واحداً من أبرز مئة رواية عربية خلال القرن العشرين. ولم يكن ذلك الاختيار قد أتى معتمداً على حتمية وجود عمل روائي يمنيّ ضمن لائحة المئة رواية، أو كي تكون مكمّلة لمجمل الفضاء الروائي العربي انعكاساً لهويّة اتّحاد الأدباء العرب. على العكس من ذلك، جاءت الرهينة» مستحقّة الظهور في تلك اللائحة، التي أثارت وقتها ردوداً نقدية عديدة تنتقد فكرة اختيار القائمة بحدّ ذاتها، جاءت بنص جيّد استطاع تقديم صورة عن واقع الحال الاجتماعي والحال السياسي اللذين كانت تعيشهما اليمن تحت حكم نظام الإمامة، الذي عزل البلاد عن محيطها مانعاً أهلها من تحقيق أيّ تواصل مع ما يدور ويتطور في العالم الخارجي)). وأضاف في مقال ((ولم يمضِ وقت قصير على هذا الغبار الذي خرج مع الترجمة الجديدة للرواية حتى قرَّرت إحدى القنوات الفضائية اليمنيّة المحسوبة على تيّار سياسي ومذهبي مناهض لجماعة الحوثي تحويل رواية الرهينة» إلى عمل درامي. ومن الصعب طرح تفسير قرار إنتاج الرواية درامياً بأنه يأتي في سياق الأزمة الطائفية التي يعيشها اليمن في هذه الفترة. ولم ينحصر الجدل والنقاش داخل جماعة الحوثي والمناصرين لهم وتأكيدهم المستمرّ على أن الرهينة» ليست عملاً أدبياً، وإنما أتت للنيل من أسرتهم عبر سرد نوع من السلوك الغريب عن نساء تلك الأسرة، وقد دخلت على الخط أسرة الروائي الراحل زيد مطيع دمّاج التي هدَّدت- بواسطة ممثّلها همدان دمّاج، وهو النجل الأكبر للأديب الراحل- باللجوء إلى القضاء، بسبب قيام تلك المحطّة الفضائية، عبر فريق عمل سوري يمني مشترك، باستثمار عمل أدبي يخصّ والده دون الحصول على موافقة خطّيّة من الوَرَثة، ودونما التزام الفريق الفني الذي تكفَّل، عند تحويل الرواية إلى عمل درامي، باحترام البنية الرئيسية العامّة للرواية، وتعمّد اجتزاء فصول محدَّدة منها دون أخرى، بهدف استغلالها في تحقيق مكاسب، ولو معنوية، في داخل دائرة الصراع الطائفي الدائر اليوم في البلد، وهو أمر – بحسب الوَرَثة – لا يحترم قدسية العمل الأدبي وأفكار كاتبه التي كانت بعيدة عن المسار. لكنْ- بالنظر إلى الظروف السياسيّة الحرجة- يبدو من الصعب أن تجد المحاكم القضائية وقتاً لها كي تنظر في إشكاليةٍ عنوانُها الأدب. يموتون غرباء: (يموتون غرباء) تبعث مرتين خاصةً اذا كانت تلك الغربة غربة داخلية وخارجية، فاليمن أكبر غربة الآن. الغربة عند أديبنا تنقسم إلى قسمين غربة داخل الوطن كما في قصة" ليته لم يعد" وخارجية في كما" يموتون غرباء".. وبكلاهما تبرز الغربة النفسية غربة الروح التي عرفناها من الشاعر بدر شاكر السياب: يا غربة الروح في دنيا من الحجر و الثلج والقار والفولاذ والضجر يا غربة الروح لا شمس فأئتلق. ففي"يموتون غرباء الصادرة عن دار العودة بلبنان في العام 1986موالتي تندرج ضمن الغربة الخارجية ففي هذه الرواية ومن خلال العنوان يريد الكاتب أولا ً من خلال" يموتون غرباء" إلى أن يجعل القاري يعرف مسبقا ًبما ستنتهي عليه القصة التي ستنتهي بما جاء بعنوانها.. ذلك مفتتح لكن في القصة "ليته لم يعد" والتي هي نموذج للغربة داخل الوطن فإنها أفتك من مثليتها حتى أن الكاتب جعل من البطل مجهولاً دون أن يحدده باسم كما في رواية "يموتون غرباء".. ذلك ليجعل للقضية أهميتها، فمن الممكن أن يكون العائد الذي ليته لم يعد اكثر من شخص ذلك إيحاء.. فماذا يفيد رجل لا يتذكره أبناؤه وزوجته تعمل في الحقل والريح تصر والرجل محمول على الأعناق، وحديث عن أن شيطانا ً أصابه ما جدوى برجل يعود لتبقي أعينه مسمرة على السطح.. لنا هنا أن نقتبس ما جاء في المقدمة التي كتبها عمر الجاوي في رواية" يموتون غرباء".. حينما تحدث عن الكاتب انه كان مفعما ً بالألوان الأدبية الأخرى مثل الشعر على سبيل المثال أنه قام بتحويل قصيدة شهيرة لمحمد أنعم إلى قصة لكونها تمت إلى الغربة بشيء.. ((يابيتنا على التلال اني أراه طيف)) لماذا يجعلنا أدب محمد عبد الولي نندفع لقراءته..؟ لأن الغربة بمعنها ليست خاصة بمجتمع دون آخر.. وهي كالأدب التي يكتب عن الأم مثلا ً لأننا بشر لأننا مشاعر وعواطف وأشواق تكبر، حينما نهاجر إلى بلدان لهذا الجميع يشارك الكاتب عواطفه بعد أكثر من 40 عاماً بشيء من العظمة والإعجاب ولأن أن نستلهم كيف إبداع شعراء يمنيين بقصائد تمس الغربة والمغتربين على سبيل المثال الشاعر الغنائي/ عبد الله عبد الوهاب نعمان (الفضول).. فيما بعد عقود على أدب عبد الولي التي كانت ليس لها ثقلها لم تكن للرواية أهميتها كما هي عليه الآن كان للشعر نصيب الأسد.. نعود مرة أخرى ونستلهم ما كتبه مقدم رواية "يموتون غرباء" أن عبد الولي ينتقي من الواقع ((الذين يعرفونه عاشوا معه سمعوا منه عشرات القصص والروايات، ما خرج يوماَ إلى الشارع الا وعاد من أبطال قصصه وكان- في أغلب الأحيان- يعود منتصرا ولم يفشل في حب ولا حديث.. ويضيف الجاوي: لأنه عانى كثيراً من الضياع بين أمه وأبيه.. ويضيف- على لسان عبد الولي- ((لقد نجوت هذه المرة، وبيد أن حاسة الشم عندي قد تطورت، وإلا لكنت معهم بدون سبب.. إذن ليس هنالك حل سوى الهجرة. ولا نستطيع هنا أن نقول إن كل ما كاتبه عبد الولي خاص بالغربة بل إن هنا ما يقترب من غربة الأرض التي لها علاقة كبيرة بهجير الفلاحين، حينما تجدب لسنوات ولا تتلبد سماؤها بالمطر.. هنا يمكننا أن نبرهن على شيء اسمه الحنيين رواية أخرى.. أما في" يموتون غرباء" فإننا نجد أن لوحه الغلاف أضافت كثيراً للعنوان رجالاً بالزي اليمني يتجهون إلى البحر، إضافة كثيراً ربما مع ما كان يحذر منه الإمام بأن خلف اليمن بحر وذلك البحر الذي اجتازه اليمنيون ليشكلوا أكبر جالية في الحبشة، حينما كانت بلاد جاذبة لا ما عليه اليوم. العنوان جاء باسم المخاطب، لتكتمل الصورة الآن أن القصة تدور للبطل/ عبده سعيد، الذي بنى دكاناً واستطاع- من خلاله أن يحقق ما جاء من أجله وهو بناء منزل دوريين.. ولو عدنا إلى الصفحة 36.. نعرف لماذا اغترب عبده سعيد ولماذا إذاً يغترب اليمنيون.. هذا باعتقاد الخالد عبد الولي.. ((كان عندما أرسل أحد أولاد قريته- الذي هاجر مبلغاً من المال وبدأ والده في بناء منزل من ثلاثة طوابق- كان عبده سعيد يعمل في أحد الأيام مع زوجته عند أحد رجال القرية عندما سمع همس النساء ساعه الغداء _..صالح سيعود هذه السنة _نعم سيعود بجيوب ملئيه بالنقود وثالثة _ كم هي سعيدة زوجته _ ياليت كان هو زوجي _لماذا تقولي لوكان زوجي من خلال الحوار السابق، ينكشف سبب هجرة اليمني وسبب هجرة بني البشر.. البحث عن مستقبل أفضل.. لكن عبد الولي- وفي الرواية على لسان إحدى شخوصه- تقول((تركوا أرضهم لماذا..؟ لأنهم لم يستطيعوا أن يقفوا ببسالة.. هذه أوضاعهم القذرة.. شعب يهاجر من أرضه.. شعب ناكر لتلك الأرض)).. عبده سعيد بطل رواية "يموتون غرباء".. استطاع الكاتب أن يخفي عمره كي يعكس أن هذا الشخص ربما أن يشمل المسنين والشباب.. كماهي أجزاء من حياته التي لم يكتبها ولا يعرفها حتى شخوص آخرون في ذات الرواية.. ولنا أن نقتبس نهاية عبده سعيد، الذي أخفى صورة أرسل بها ابنه للمنزل الذي اكتمل بطوابقه الثلاثة والتي كان وضعها في حائط المحل إلى أنه أخفاها لأسباب تتعلق بالتهرب من دفع الضرائب. الشوق والذكرى الذكرى للزوجة الصابرة ولعبارة من يمتلك أحسن منزل في القرية ويصرخ الأطفال" عبده سعيد من أغنى شخص في القرية عبده، سعيدة أودت بت وجعلته يستسلم أو أن لا يستطيع النهوض من عادم المصباح... وعلى لسان شخص في الرواية: لقد انهار العملاق.. لقد صمد أكثر من الواجب.. إنها حياة لا تستحق أن تعاش((ترى ما الذي تحمله لهذا الغريب الذي مات دون أن يترك شيئاً سوى قبره)).. إننا هنا نستلهم كم أقوال الحكيم الشعبي اليمني وأبو تمام في (كم منزل في الأرض يألفه الفتى ×××وحنينه يبقى لأول منزل).. ولأن الوطن هو منزل كبير إذا ما خرجنا على قاعدة أبي تمام وقصده وبالنسبة للغربة. ولأننا أخذنا أدب محمد عبد الولي من حيث الغربة في قصة مطولة بعنوان" ليته لم يعد" وفي رواية" يموت غرباء".. باعتبارها نموذجين لغربة داخلية وأخرى خارجية والأول أشد وأفتك وكما صوره الكاتب حينما يعودون محمولين على الأكتاف.. يتحدث عنهم أهل القرية أو الكاتب أن لا فائدة من عودتهم وهم لا أنهم أموات ولا أحياء.. ولكم هذا الحوار لشخوص من القرية للعائد الذي ليته لم يعد: _هل عاد صاح الطفلان: _ إنه أبونا.. يقولون إنه أبانا في الطريق إلى القرية.. أصوات النساء: _ لقد عاد يقولون إنه محمول على جنازة.. كان الأطفال يتهامسون ( لماذا هو محمول على النعش الكبير..؟) لأنه متعب .. لأنه متعب
فتاح المقطري
الغربة في أدب محمد عبد الولي 2130