نعاني اليوم مواقف راديكالية متطرفة، تعيق تطلعاتنا في الدولة المدنية التي تستوعب الجميع، وهي النزوع لإحداث تغييرات متطرفة تخدم أفكاراً ومشاريع جاهزة.. راديكاليون متعصبون لأفكارهم وتوجهاتهم. دينية وسياسية وفكرية، وكل يصف الإشكاليات القائمة وفق رؤاه وأفكاره لخدمة مشروعه والحل السحري الذي يروي تعطشه، دون مراعاة لقناعات ورؤى واختيارات الآخرين، وإن دعا للدولة المدنية شعاراً، يرفضها تطرفًا، وهو يحقق مبتغاهم على أشلاء ودماء وكرامة شركائه في الحياة. هذا النوع من البشر لا يعي مفهوم الشراكة الحقيقية، الشراكة لديه أن تكون تابعا وخانعا ومستسلما له ولمشروعه، وأن تقدم الطاعة لمزاجه السياسي.. وعندما يدعو للحوار إنما يدعوك لتشرع له ما يريد، يدعوك لتكون مجرد ديكور في طاولة يديرها بمزاجه، لا أفكار تتبلور فيها ولا حجج تتنافس.. يحاورك ويده على الزناد.. في لحظة طيش وتهور يمكن أن يفجر دماغك اذا استفزه أفكار وحقائق. وكيف تستقيم دولة مدنية، في ظل صراخ وعويل التخلف والعبث والبذاءة والرداءة، عندما تكثر مشاهد النصب والاحتيال والبسط والفساد ببجاحه، عندما يصطف الناس على أسس مناطقية وطائفية وجهوية. أعرف أنك في لحظة انحطاط وتعصب مقيت، لحظة تشكل خطراً على عقول الراقين أخلاقيا وفكرياً ووطنيا والدولة المدنية التي ينشدونها، وهم مرفوضون في هكذا واقع.. وللأسف إن الخوف جعل بعضهم يتوارى ويصمت، وترك المجال للتعصب يشق طريقه في تزوير الوقائع وتحوير الحقائق، وشحن وتحريض الناس بكل امراض الفرقة والشتات، يفرض طغيانه برداء ثوري قشيب. في هكذا حال.. الراقون فكرياً وأخلاقيا هم أكثر الناس معاناة، الواقع لا يقبل لغتهم، بل يتهمهم بشتى التهم الكيدية وما أكثر التهم الجاهزة التي صارت مصدر سخرية لأصحابها، معطلون للدولة المدنية. الراديكاليون المتعصبون، تائهون في أطروحاتهم واختياراتهم، يدعون المختلف عنهم لطاعتهم، وهو مهدد بالتصفية الجسدية والفكرية، وهو مقيد في سجون سرية، مطارد منفي ممنوع عليه أن يتنفس حياة وحرية، ومتهم بالإرهاب والخيانة والعمالة، وعندما يهزمون في الجبهات أيضا هو متهم بتحالفات مع أعدائهم، متهم بفتح الجبهات، في مفارقة عجيبة قد لا يفهما المسحورون بطيش وتهور هؤلاء المتعصبون، ما يعتبره العقل الراقي فشلا وعجزا، في أن يقدم المتعصبون نموذجا للدولة التي ينشدون.. المتعصبون الراديكاليون مجرد متكلون على تحقيق الغير للانتصارات والسطو عليها.. هم مجرد ثعالب تتمركز فوق الكثبان تنتظر الفرصة لتسطو على نصر الآخرين. والكل يعرف من قاتل وحرر المناطق، ومن يحكمها اليوم، هي الثورة يضحي من أجلها الشرفاء ويحكمها الأنذال، حقيقة مجربة. هذا الشعب المسكين في هذا الوطن المكلوم، يعاني من هذا التعصب الراديكالي, سياسي وديني، يعيقون تطلعات الدولة المدنية.. يوصفون المشكلة أنها طائفية.. يحرضون ويحشدون لحلهم السحري دولة الخلافة أو الإمامة، ويدعون أنهم يقاتلون من أجل الدين، وكلهم يعبدون الله بطريقتهم ويكبرون له بطريقتهم، وهم يسفكون دم المسلم على المسلم حرام، وهكذا المشاريع الصغيرة مشاريع تجزئة الجغرافيا.. يوصفون المشكلة أنها مشكلة مناطقية شمال جنوب شرق غرب، بنفس العقلية والجرثومة الطاغية والتسيد والهيمنة على السلطة والثروة، في تنافس حميم على الفساد والبسط والسطو والنهب، ولهم نفس مركز التخلف والعصبية التي تسطو وتسيطر لتعبث بالمدنية ومراكز التنوير والوعي، وها هي عدن وصنعاء وتعز تعاني من هذه السطوة. لا حل غير وعي اجتماعي ووطني وإنساني، داعم للدولة المدنية، يجتث جرثومة التخلف والعصبية، من على كاهل عقل الإنسان، من غلو عقائدي وسياسي والتطرف والإرهاب، لنؤسس بوعي لوطن يلبي قناعات الجميع دون استثناء، وديمقراطية ونظام وقانون يضبط إيقاع الحياة دون تعصب، يتيح المجال لحرية الاختيار للجميع بصندوق انتخاب واستفتاء، ليقرر الشعب مصيره دون تعصب، المتعصبون يعتبرون ذلك درباً من الخيال والمثالية، وأنها مستحيلة التحقيق في مجتمعهم المتخلف والمتعصب، ليستمر يتداول حكمه ناهبون فاسدون متسلطون على مر السنين.
أحمد ناصر حميدان
التطرف الراديكالي والدولة المدنية 1251