الحرب الظالمة التي فرضتها المليشيا على اليمنيين ليست محصورة في السلاح والمعدات والأفراد والمعارك إجمالا؛ لكنها متعددة الوسائل والأدوات. وفي هذا الصدد يؤسفني أن القول أن مليشيا الخراب والدمار رغم تخلفها، وبغض الشعب لها نتيجة قبحها وسوئها وعنصريتها وكذبها المستمر وسوء فعالها- رغم ذلك- إلا أنها ما تزال تقدم جديدا بين فترة وأخرى سواء في علاقتها بالشعب المطحون الكاره لها، أو أدائها السياسي أو العسكري. ويبدو ذلك- على سبيل المثال- من خلال ما تقوم به من أنشطة وفعاليات، وما تقدمه من مبادرات فيها من الكذب والافتراء والغموض أحيانا ما يستدعي الضحك والبكاء في أن واحد؛ لكنها في مل الأحوال تقدم ما يُلهي اليمنيين عن قضيتهم الأساسية وهي الانقلاب، وتقوم بتفتيت تلك القضية الأساسية الجوهرية إلى قضايا جزئية تعد كلها نتاج القضية الأكبر وهي الانقلاب. وفي هذا الصدد يمكن ضرب عدد من الأمثلة على ذلك؛ مثل: 1- التنديد المستمر بما يسمونه العدوان السعودي الأمريكي الصهوني.... إلخ، وتحويل القضية وكأن التحالف العربي جاء ليضرب موانئنا ومطاراتنا ومعسكراتنا في ظل وجود حكومة شرعية تمارس عملها، وهو بذلك يمارس اعتداء صارخا على دولة ذات سيادة بطرا وبدون سبب، ولا قضية. والأمر هنا تشتيت للقضية الكبرى التي كانت السبب في طلب فخامة الرئيس من الأشقاء التدخل لإنهاء الانقلاب، واستعادة الدولة، وتحويل النتيجة- التدخل العسكري للتحالف- إلى سبب، وتوجيه الجماهير إلى نسيان السبب الأساسي في ذلك التدخل. 2- استغلال أي خطأ في ضرب الطيران لأهداف مدنية- وهووما لا أقره شخصيا ولا أؤيده ولم ولن أدافع عنه- وهو يحدث في كل الحروب، وللتذكير أيضا فالطيران أداة من أدوات الحرب التي انطلقت لإيقاف تمدد المليشيا حينما وصلت إلى مشارف عدن في مارس 2015، وذلك بعد أن خرج فخامة الرئيس من صنعاء إلى عدن، وتبعه طيران وضرب قصر معاشيق الذي كان يقيمفيه؛ مما استدعى الأمر طلبه الأشقاء بالتدخل العسكري، ولن أغوص في توصيف حلفاء الانقلاب حينها لما حدث، وتجييشهم ضد الشرعية والتحالف العربي، وبوجه خاص المملكة العربية السعودية، وذلك أملا في طي صفحة الماضي، وعدم نبش ما يثير فيه رغم أنه واضح، ولا يحتاج إلى دفاع أو هجوم. وعودة لبعض أخطاء الطيران فإن المليشيا- في حال تأخر حدوث خطأ حوادث مماثلة للأخطاء العسكرية- تبادر في بعض الأحيان إلى صنع خطأ من ذلك النوع، لكي تستغله في حشد الجماهير؛ حيث تعمل على تصويره على أنه أحد أخطاء التحالف العربي، ومن ثم تقوم بتغطيات إعلامية ممنهجة/ ومخططة لاستغلال الحدث الحقيقي أو (المصنوع من قبلها)- استغلاله- في إخراج الجماهير للشوارع وهم جوعى وبعضهم حفاة، وبعضهم مكرهون- إخراجهم للشارع للتنديد بما حدث، والمطالبة بكثير من الأمور. 2- استغلالها لبعض الأمور البسيطة؛ مثل صورة لوزير الخارجية في الحكومة بجوار (نتنياهو)، وهو خطأ لا يستدعي ذلك التضخيم؛ خاصة أنه لم يكن مباحث بين وزير خارجيتنا، ورئيس وزراء العدو الإسرائيلي، إنما كان خطأ بروتوكوليا ربما بدون قصد، وقد أوضح ذلك وزير الخارجية؛ لكنهم أصروا إلا استغلال الحدث، وتحويله إلى قضية رأي عام اختيارا، أو قسرا، وعليه تم إخراج الجماهير للتنديد بحادثة الصورة إياها، وتثبيتا لبعض مفرادتهم الكاذبة التي تتحدث عن محور الممانعة وووو، متناسين في الوقت نفسه كل جرائمهم ضد اليمنيين التي يعتبرونها جزءا من مشروعهم المقاوم لوجود (صورة) حدثت نتيجة خطأ بروتوكولي. 4- هناك مبادرات تقوم بها المليشيا المسلحة بين وقت وآخر لغرض الحشد، وتصوير الحشود أنها تأييد لمشروعهم العنصري، مثل ما أسموه ميثاق الشرف القبلي، ومحاكمات رموز الشرعية، وإنشاء أحزاب صورية، وإجراء انتخابات تكميلية لمجلس نواب كانوا ضده جملة وتفصيلا، ونص إعلانهم الدستوري المشؤوم على حله، واستبداله بمجلس وطني انتقالي قوامه حوالي 572 على ما أتذكر، وغير ذلك الكثير الكثير من لقضايا التي يطرحونها من وقت لآخر بغرض التحشيد، وإطالة أمد الحرب ليتمكنوا من البقاء والكسب المادي، والتغلغل في أوساط المجتمع، وتغيير هويته، واستبداله قناعاته، وتجهيا أبنائه. 5- استغلال المناسبات الدينية العامة مثل المولد النبوي الشريف، والهجرة النبوية وغيرهما، وكذلك المناسبات العائلية الخاصة بالعائلة، أو ما أسماها عبد الباري طاهر الأهدل ب(العائلة المقدسة)؛ مثل ذكرى وفاة الصريع المجرم أحد صانعي الفتنة حسين الحوثي، وذكرى وفاة والده الإمامي العنصري، يضاف إلى ذلك ما يمكن تسميته بامتداد العائلة المقدسة- أن صح الادعاء- مثل ذكرى استشهاد الإمام علي، وذكرى استشهاد الحسين، وذ وزينب وزيد بن علي وغيرهم، ومحاولة تحويل اليمنيين إلى طائفيين لاطمي خدود، طعّاني أجساد، لاعنين لمن خالفهم، وفي ذلك تحويل اليمنيين أمة تعيش دائرة في فلك عائلة الحوثي ومن يدعون أنهم أجدادهم، وهي رواية ليست مقبولة لدى فئات واسعة من اليمنيين. هذه بعض أمثلة لأساليب الكهنوتيين في صناعة الاحداث واستغلالها، أو استغلال ما هو متاح تاريخيا منها، بغرض الحشد، وتوسيع نطاق سيطرتهم، وفرض قناعاته بالترغيب أووالترهيب، لكي يظهروا بمظهر من له أتباع، أو إلهاء الجماهير عن سوء اوحوالهم ومعاشهم، أو تفتيت القضية الأساسية وتحويلها لقضايا جزئية بعضها كان نتيجة الانقلاب. وأمام ذلك نجد تراخيا من قبل الشرعية ومؤيديها من المكونات السياسية والمجتمعية عن مجرد تعبئة الشارع لممارسة ضغوط على الحكومة نفسها لتكون أداة تفاوضية قوية بيدها، أو لإيصال رسالة لمن يهمه الأمر، بوجه خاص الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. حيث أن الضغوط من القوى السياسية والمجتمعية صارت ضرورة للمطالبة ليس بتحديد المعرقل للانسحاب كيلو متر أو اثنين من ميناء الحديدة مثلا!! وليس بتحديد المعرقل لاتفاق تمييع الانقلاب وتقزيم قضيتنا(أقصد اتفاق استوكهولم) بل المطالبة بتسليم مؤسسات الدولة، وتسليم كل الأسلحة المنهوبة وعودة الرئيس الشرعي المنتخب وحكومته، ومحاكمة مجرمي الانقلاب المشؤوم. أيضا ضغوط للمطالبة بسرعة الحسم العسكري الذي سيقلل كلفة الحرب من خلال إنهائها في وقت محدد ولمرة واحدة بدل التجزئة والاستمرار في المعارك واللا معارك. وبما أن تعز مثلت المدنية في إحدى صورها، وهي حق التظاهر، والخروج للشارع، ومن ثم صارت ميدانا ل(التباري) بين الأحزاب السياسية، وتحديد حجم كل حزب- وهو أمر مشروع- فإني أرى أن تدعو الأحزاب السياسية في تعز إلى مظاهرات شعبية موجهة ضد المبعوث الأممي الذي شوه صورة الأمم المتحدة، وحولها إلى منظمة لا تحترم قراراتها، وفي أحسن الأحوال عاجزة عن تنفيذ تلك القرارات. كما تُوجّه تلك التظاهرات نحو الشرعية في الإطار ذاته، وستكون قوة دافعة لها للاتجاه نحو التحرك بتنفيذ تلك القرارات بدلا من انتظار (المتواطئ) جريفث لكي يحدد لنا من المعرقل فقط. وهناك الكثير والكثير مما يستدعي الحشد الجماهيري ليكون ضاغطا على الحكومة وكل الجهات المعنية، وبحيث يكون الغرض إنهاء الانقلاب وما يتصل به، وليس والمماحكات السياسية بين الجمهوريين أنفسهم بسبب خلافاتهم التي يمكن وصفها بالغبية قياسا بخلافهم مع الانقلابيين. إن قضيتنا نحن اليمنيين طالت وهي واضحة وضوح الشمس، ولا تستدعي كل هذا التباطؤ، بل والتلاعب أحيانا من قبل أفراد يمثلون الأمم المتحدة همهم الاستمرار في أداء وظائفهم،، وإضاعة الوقت، وتشتيت الجهود، وحرف البوصلة عن مسارها الصحيح، والاستمرار في الدعوة إلى جمع الأموال من المانحين لتشتيتها عن الغرض الأساسي الذي تُجمع من أجله، حيث تشير كل المؤشرات إلى أن تلك الأموال تذهب للقائمين عليها، والوسطاء والمليشيا المسلحة، ولا يصل اليمنيين منها سوى نسبة ضئيلة ولمناطق محدودة. وعليه فإن الوقوف عند النقطة نفسها، وعدم التحرك أو (التحريك) ليس في مصلحة قضيتنا، بل على العكس من ذاك، فكل يوم ينقضي يعد خسارة لنا نحن اليمانيين، ونقطة تضاف للمليشيا التي تتجه نحو السيطرة على أكبر مساحة من اليمن الشمالي لتعلن انفصالها عن اليمن؛ ليكون ذلك الجزء من اليمن منطلقا الإيذاء كل الجيران، وتحويله لنقطة انطلاق للانتقام من كل من يختلف سياسيا أو دينيا أو مذهبيا مع هذه المليشيا الظالمة. فهل نتحرك، أو نحرك المياه الراكدة، وننقل وضعنا من الركود وقلة الحركة لنكون نحن من يصنع الفعل، ويجبر الجميع على التعاطي مع ما نصنع؟
د.علي عرجاش
صناعة المبادرات والأحداث بين الشرعية والإنقلابيين 931