ليس بوسع المرء العاقل، أو قولوا لمن عاد لديه ذرة شعور وإحساس ؛ إلا أن يقبل بأي شراكة سياسية تفضي لإنهاء الحرب واستعادة الدولة اليمنية المفقودة منذ ما قبل الانقلاب.. لا وقت الآن للتشنجات أو التنطعات أو المغامرات أو المزايدات، فكل هذه الأشياء أحالت هذه البلاد إلى مجرد سوق نخاسة يباع فيها الإنسان وعلى ما يشتي المانح أو الداعم، أو الرابح لا فرق. فهذا مرتزق أجير من يدفع، وذاك مضطهد عبد لا حول له ولا قوة، وأولئك خونة وعملاء، وهؤلاء اتباع عفاش أو جماعة إخوان أو دعاة تجزأة وتقسيم أو سدنة شرعية فاسدة، وهكذا دواليك من الخصومة الطافحة بالفجور والرفض للآخر، وهذه جميعها لن تؤدي لغير إطالة أمد الحرب، والمزيد من المآسي والكوارث.. شخصياً، لا أطيق نفاق الشيخ البركاني ولا حتى الحديث عن برلمان انتهت صلاحيته قبل عقد من الزمان ؛ أما مشروعيته فجميعنا نعرف من صنعها وكيف نسجت أغلبيته؟؟. وكيف أن الكلام عن البرلمان وبعيد ثورة شعبية عارمة، وبعد حرب ضروس أكلت الأخضر واليابس وكان أحد أسبابها خذلانه لليمنيين وتحيزه لصالح ونظامه؛ أعده إهانة صارخة ووقحة لكل هذه المسميات ولكل نضالات وتضحيات اليمنيين. ومع كل ما يقال وسيقال اعتبر انعقاد المجلس في سيئون ضرورة فرضتها سياقات ومآلات تستدعي منا التعاطي معها بموضوعية طالما والثورة في اليمن لم تحقق غايتها كاملة. فضلاً عن أن الحراك وبكل مكوناته ومسمياته، لم يستطع بلوغ هدفه المتمثل باستعادة عقارب الزمن إلى ما قبل التوحد.. فبرغم سيطرة القوى الجنوبية شبه الكاملة على أغلب مساحات المحافظات المحررة، وكذا دورها في مهمة التحرير؛ إلا أن الفترة المنصرمة كشفت مساوئ هذه المكونات. وتجلت بارزة في ضعفها البنيوي وافتقارها للتنظيم والتماسك والإرادة السياسية الحُرَّة وكذا للخطاب العقلاني المواكب للحظة الراهنة وتحدياتها وضروراتها . ومثلما يقال: مكره أخاك لا بطل؛ لهذا كان ولابد من توافق ما يؤدي بنا للنهوض ثانية، فالحال أن وضعنا بات يفطر فؤاد العدو ؛ اذا لم اقل ضمير الإنسانية قاطبة. فخمسة أعوام من الحرب الضروس، وقرابة أعوام نيفت العشرة على ثورة شعبية واسعة، واكثر من ربع قرن على حرب صيف ٩٤م وما تلاها من سنون الغليان والكفاح والعنف ؛ بكل تأكيد أعدها منهكة ومكلفة للغاية، وهو ما يجبرنا كيمنيين للتفاهم كيما ننهض بما لدينا من ممكنات ومن أدوات ومن بقايا دولة، باعتبارها الضحية والغاية معاً.. نعم، لا اضمر لأحد حقداً أو كراهية، واذا كان الشيخ البركاني أو طارق أو حتى قناة اليمن اليوم أو سواها من القوى السياسية الموقعة اليوم على تحالف لدعم الشرعية بما تحمل من مضامين سياسية مستقبلية ؛ فذاك مرحب به ولا يجوز رفضه أو الاستغناء عنه، وفي هكذا حالة متأرجحة بين الحياة والفناء.. البعض يقول لك غاضباً: الشيخ سلطان البركاني، شخصية غير مرغوب به جنوباً أو شمالا، إنَّه أحد رموز صالح، بل وأكثرهم استفزازاً لليمنيين، ويستبدل هؤلاء بتصريحه الشهير المستفز والذي دعا فيه لتصفير العدَّاد للرئيس الأسبق.. ومعهم حق في فظاظتهم ناحية شخص لطالما استفزهم، فما رسب في ذهن الكثير عنه وعن أفعاله خلال حقبة تاريخية اقوى من يتم محوها هكذا وبكل بساطة. لكنني هنا لا أتحدت عن بسطاء الناس وإنما عن ساسته ونخبه الذين يجب أن ينسوا خلافاتهم، أو هكذا ينبغي أن تُفهم مواقفهم إذا ما أرادوا تخطي الحاضر وبلوغ المستقبل المنشود. ولأننا اليوم نؤصل لتحالف يروم لاستعادة الدولة اليمنية وإنهاء الحرب، فذاك يعني التوافق على صيغة جديدة من التحالف السياسي، ولا ضير هنا إن كان خصم الأمس "البركاني" رئيساً للبرلمان التوافقي المؤيد للسلطة الشرعية.. المهم ليس بالأشخاص أو الأحداث العابرة، وإنما بماهية الأفكار، وبطبيعة القضايا الجامعة التي استدعت كل هذا الحراك الحاصل في سيئون، ففي حال كان انعقاد المجلس ضرورة حتَّمتها المرحلة الراهنة ولغاية وطنية جمعية ؛ فذاك ما يستوجب منا القبول والدعم. فمثلما قيل بأن صغار القوم يشغلون تفكيرهم في الأشخاص، بينما الفئة الوسط تجدهم أرقى نسبياً بحيث يتركز تفكيرهم في الأحداث لا الأشخاص، أما الكبار فهم وحدهم من تشغلهم الأفكار والمسائل الكبيرة بدلا من الأشخاص والأحداث .. أتدرون ما المهم؟ هو أن اجتماع الفرقاء لأجل غاية إنهاء الحرب وإقامة الدولة الاتحادية الفيدرالية، وليس نظير مال مدفوع أو مكاسب موعودة أو تقاسم حزبي أو نكاية بالحوثيين وانتخاباتهم التكميلية أو سواها من الأهداف الآنية الضيقة . فالسلطة الشرعية أكثر معاناتها من حلفائها ومن تعدد رؤوسها وتقاطع مساراتها، وقد دعوت سابقاً إلى تحالف الضرورة، فما لم يتعاضد فرقاء الشرعية ولغاية استعادة الدولة وإنهاء الحرب سياسيا أو عسكرياً، فإن اليمن ينتظرها ما هو أسوأ وافظع . فخمسة أعوام لا تعني أن الجماعة الحوثية صارت قوة يستحيل إجبارها أو رضوخها، فما تعده الجماعة صموداً هو- في حقيقة الأمر- نتاج لضعف وهشاشة وارتباك وفوضى السلطة الشرعية المثقلة بتحالفات متناقضة ومتصارعة. فكل من هؤلاء الحلفاء لديه أجندته وأهدافه وحتى غاياتها السياسية التي تتصادم مع غاية استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب. صدقاً، أأمل أن تكون سيئون فاتحة لعهد جديد، كما وأتمنى أن لا يكون البرلمان شوكة أخرى تضاف في خاصرة الشرعية، فليس هناك ما هو أسوأ من طعنة صديق أو حليف.
محمد علي محسن
سيئون.. تحالف الضرورة !! 1116