في خضم الحرب، يجد الأنذال والحاقدون فرصتهم في حقن المجتمع بسموم الكراهية والعنصرية للتدمير، وما أسهل ذلك في مجتمع مريض، تسود فيه العصبية والتخلف والقروية، مما جعل هستيرية الهذيان كراهية. كراهية تبدأ من مراكز العصبية والقروية لتستفحل، كمصيدة شيطانية، معدة بحنكة الغدر ودهاء الخبث, باستهداف مراكز التنوير والتعايش والمدنية، تضيق حلقاتها لتحاصر مراكز انطلاقها وتستهدفهم، وستضيق حتى تصل بين الأسرة الواحدة، ويبدأ الأنين بعد أن صار الندم غير مجدٍ. سموم فتاكة لحقن مجتمع، بمرأى ومسمع المعنيين في التنوير وإصلاح شأن الأمة، وحماية المجتمع والسلم الاجتماعي، من مثقفين وأكاديميين، ورجال دين، معنيين في حماية النظم والقوانين وحق الناس في الحياة والكرامة كبشر. ماذا يعني أن يتطاول البعض ليفتي في مواقع التواصل الاجتماعي، معلناً عن شخصيته وموقع عمله، ومعظمهم مغتربون في دول التحالف (بأن قتل الشمالي في الجنوب هو جهاد، انتقاماً لحرب 94م)، ولم نجد من يوقف هذا المعتوه قانوناً أو شرعاً وإنسانياً، لا بالكلمة ولا بالتنديد والقبض والتوقيف وتقديمه للعدالة لتأخذ مجراها معه، لما يشكل من خطر جسيم وإرهاب للحاضر والمستقبل. كثير هي الأحداث المعيبة بحق أصحابها، هي لا تمثل مناطقهم ولا قبائلهم، ولا الجنوب.. هي تمثّل شخصياتهم، وهم يتحدون المجتمع والأمن والدولة ومؤسساتها والنظام والقانون والقيم والأخلاقيات، ويعلنون عن شخصياتهم في القنوات ومواقع التواصل الاجتماعي، بل في الصحف التي تفرز سموم كراهية دون وازع إنساني أو ديني، وهم يدركون أن لا محاسبة لهم في ظل هذا الانفلات. كمثال في عدن، مجتمع ينهار ويتدمر بحقن الكراهية وتطورت حتى صارت عنصرية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. عدن لم تعد تشبه عدن الذي نعرفها، سكنتنا وتربينا في حضنها.. اليوم تتعرض لجائحة الكراهية- التي جعلت من أنذال القوم يتطاولون على أشرفهم- فساد أخلاقي وقيمي، نصب واحتيال، بسط وسطو مسلح، اغتصاب واغتيال.. كل هذا خلفه جائحة من الكراهية وعصابات منظمة. قهري عليك يا عدن، يا ثغر اليمن الباسم، عدن المركز التجاري العالمي ذات السمعة الطيبة ونقطة وصل بين القارات، مدينة كونية تفتح ذراعيها بترحاب للجميع دون أن تسأل، من أين أنت؟ وماذا تعمل في عدن؟.. مدينة اقتصادية ومركز تجاري حر، والحرية هي وعي وثقافة، هي استراتيجية تهيء عدن لتستقبل رؤوس الأموال والسواح والشركات العملاقة متعددة الجنسيات.. عدن المدنية وأيقونة الحب والتسامح والسلام والتعايش والوئام، تئن اليوم من قصص وحكايات لم تألفها فصولها.. كرهاً وحقداً وعنصرية. سواحلها، المتنزه الجميل للقادمين إليها من كل مناطق اليمن والجزيرة والقرن الأفريقي.. تمثل عدن- كواجهة للترحاب بالضيوف والتعامل مع البشر، فهل ما يحدث اليوم يمثل بحق عدن؟ لا أعتقد! والحكايات مؤلمة بسلوكيات لا تمثل حقيقة وطبيعة عدن، وحكايتنا اليوم قادم من شمال الوطن مسافر للعلاج في القاهرة، اختار عدن ترانزيت للسفر من مطارها الدولي الذي يمثل واجهة عدن في القدوم والمغادرة، كان عندما كانت عدن، وصار عندما صارت عدن. حكاية مؤلمة رواها الصحفي، رضوان فارع، كشاهد عيان عن هذا المسافر مع عائلته وأولاده، أخذ تكسياً وذهب للغذاء والتبضع من خور مكسر للمنصورة والعودة، وسلم السائق عشرة آلاف ريال يمني، سائق مشحون كراهية وعنصرية، أراد استغلال ذلك المواطن اليمني، وطلب مضاعفة المبلغ وباحتقار وجّه صفعة للمواطن أمام أسرته، وعندما صرخ- طلباً للنجدة- وحضر عدد من المتواجدين في الموقع لإنقاذ هذا المواطن من ذلك الحيوان الذي كان يردد عبارات، (ما الذي أتى بك لعدن.. هذه أرضنا حررناها منكم) وكلام بذيء لا يستحق الذكر. هذه العقلية القروية المتخلفة والمتعصبة كراهية وعنصرية، هي جائحة عدن اليوم التي تعيق تطبيع الحياة فيها، وتقدم عدن كأنها قرية نائية متخلفة عن العصر. آه يا عدن.. وآهات من الحسرة لهذا الواقع البائس الذي وصلت إليه بعض الأخلاقيات، والسقوط المدوي للقيم والكوابح الاجتماعي والقانونية والانفلات الأمني لضبط السلم الاجتماعي وحق الناس في الحياة الكريمة، يضع السؤال التالي: من يحكم هذه المدينة؟ ومن هو المسؤول عن حماية الناس والنظام والقانون والحياة العامة؟ وأين الشرعية من كل ذلك؟ ومؤسساتها المعنية بالضبط والربط وتنفيذ القانون والنظام، ولمجلس النواب اليوم دور لحماية المواطن فننتظر. مطلوب حصر ومتابعة هؤلاء في مواقع النشر والترويج للكراهية وتقديمهم للعدالة، كلٌ مسؤول عن ما يقول ويبث، ويتحمل المسئولية، كما قال الصحفي رقم السيارة وتلفون الموطن المنتهك كرامته معه، ننتظر تحرك المسئولين في ضبط الفاعل وتوقيفه قانونيا وأخلاقيا ليكون عبرة لمن تسوّل له نفسه تشويه وجه وأيقونة عدن، والتاريخ لا يرحم، سيدون كل مرحلة بسلبيات وإيجابيات وانتهاكات وشرها وخيرها، ويتحمل المسؤولون عنها.
أحمد ناصر حميدان
عدن و هذيان العنصرية 1374