يصر كثير من الناس على رأيه، سواء كان صائباً أو خاطئاً، مهما كلفه الأمر.. يحكى أن رجلين كانا يسيران في غابة في الظلام، فرأيا شيئاً يتحرك من بعيد.. فقال أحدهما: هذه عنزة.. وقال الآخر: هذا طائر.. وأمسك بحجر وألقاه ناحيته فطار في الجو.. فقال الأول: عنزة ولو طارت... ويضرب هذا المثل للمعاند المستمر في عناده وإن ظهر بُعده عن الصواب.. وعن هؤلاء قال الله تعالى: (ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون).. وقال تعالى: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم).. والإعراض عن الحق كبر.. ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر.. وما أخرج إبليس من الجنة إلا ذاك.. وما أجمل أن يظل المرء ثابتاً على موقفه لا يغيّره مادام حقاً صواباً، ولا يغيّر رأيه حسب المصالح والأهواء... فهذا جاليليو- بعد صدور الحكم ضده وإجباره على أن يعلن أمام الناس جمعياً أنه ليس صحيحاً أن الأرض تدور حول الشمس، وإنما الشمس هي التي تدور حولها- ينظر إلى الأرض ويقول هامساً: ولكنها تدور. تاني يا زنكلوني: وبعض الناس لا يفهم إلا ما يريد ويفسّر كثيراً من الأمور على مزاجه وهواه.. مثل ذلك الرجل الذي قرأ كثيراً عن أضرار التدخين فقرر ترك القراءة!! أو ذلك الغني البخيل الذي سمع الخطيب في يوم الجمعة يمدح الصدقة والإحسان في خطبته، ولما انتهت الخطبة، وقد كان الخطيب يقصد تشجيعه وحضه على الصدقة، فقال البخيل: والله أن هذه الخطبة قد شوقتني إلى مد يدي للسؤال!! تلك مسألة أخرى: وبعض الناس يعمل على تطويع القوانين والأحداث، وتوظيفها لمصالحة الخاصة، وهؤلاء يرفعون شعارهم المعروف " إن ابني ضرب ابنك، فكل الجهال يتضاربوا.. وإن ابنك ضرب ابني أوفيتني وأرضيتني".. وقيل: إن رجلاً سأل أحد القضاة فقال: بقرتي نطحت بقرة حتى أوجعتها، وأنا خائف من الأرش، فقال القاضي: لا تخف جراح العجمى هدر.. فقال الرجل: هيه بقرتكم المنطوحة يا مولانا.. فقال القاضي: تلك مسألة أخرى فيها نظر!!! بعض الظن إثم: وهناك آخرون يصدقون وساوسهم وشكوكهم في الآخرين، ويصرون على ذلك، وإن لم يجدوا لذلك دليلاً على ذلك سوء، ظنونهم.. فهذا خائن وذاك عميل وهذا منافق وذاك مراءٍ.. وتلك أسلوبها مريب، وذاك يعلم الله ما يخفي.. وسوء الظن من الأخلاق الذميمة التي تجلب الضغائن وتفسد المودة، وتجلب الهم والكدر.. ولهذا حذرنا الله عز وجل من إساءة الظن في قوله تعالى:( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن أن بعض الظن إثم)..
أحلام القبيلي
عنزة ولو طارت 1175