فتحي منجد تعود العلاقات بين اليمن والسعودية إلى العقد الأخير من القرن الثامن عشر الميلادي وهي علاقة قدرية، تحكمها حقائق التاريخ والجغرافيا والمجتمع، ويغلب عليها رغبة الطرفين في إيجاد مجتمع آمن ومستتب، ولهذه الغاية كانت تختفي كل الحواجز بما فيها الحدود الطبيعية, وقد تأكدت وتعززت منذ قيام الدولة السعودية الأولى، ولذا نرى عالم صنعاء/ محمد بن إسماعيل الأمير المتوفى سنة 1182هجرية يثني على دعوة الشيخ/ محمد بن عبدالوهاب النجدي في قصيدة تزيد على سبعين بيتاً منها: سلامي على نجدٍ ومن حلَّ في نَجْدِ وإن كان تسْليمي على البعد لا يُجدي وهناك الكثير من الشواهد التاريخية التي تدل على عمق ومتانة العلاقات بين البلدين، ومن ذلك ما توصل إليه الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود والإمام يحي حميد الدين في نهاية 1350هجرية /1931 م من اتفاقية كان من أهم بنودها "تسليم المجرمين السياسيين وغير السياسيين وعلى كل من الدولتين عدم قبول من يفر عن طاعة دولته أياً كان، وإرجاعه إلى بلاده فوراً". ثم تطورت العلاقات بعد ذلك إلى عقد اتفاقية صداقة وحسن جوار في 1350 هجرية / 1932م ثم توجت بتوقيع "معاهدة الطائف" عام 1353 هجرية /1934 م التي تضمنت 23 مادة كلها تصب في تعميق أواصر العلاقات بين البلدين وقد علقت عليها مجلة (التايمز) بقولها "إن معاهدة الطائف أرست قواعد الصداقة العربية والأخوة الإسلامية، وأن الساسة الأوروبيين يجب عليهم أن يقتدوا بمعاهدة الطائف"، ولقد وصف (سلفادور انتي)- الكاتب الإيطالي- في عام 1934 م معاهدة الطائف بالنشيد الوطني للوحدة العربية، واعتبر الغرب المعاهدة صورة لما يجب أن تقوم عليه العلاقات العربية والإسلامية في المستقبل. وتطورت تلك الاتفاقية من الإطار الثنائي إلى البعد القومي، فعقدت الدولتان معاهدة مع العراق في 1936م، تطورت فيما بعد إلى ميثاق الحلف الثلاثي العربي (معاهدة الدفاع المشترك ) بين مصر والسعودية واليمن عام 1956م و استمرت العلاقة في تطور مستمر حتى سقوط حكم الأئمة في اليمن عام 1962م، وقد وصفت هذه المرحلة بالمرحلة الذهبية في تاريخ العلاقات بين البلدين الشقيقين. وبعد قيام النظام الجمهوري لعبت المملكة العربية السعودية دورًا رئيسًا في مسار الأحداث في اليمن، حيث رعت المصالحة بين الجمهوريين والملكيين في نهاية الستينيات من القرن الماضي بعد حروب استمرت ست سنوات، ووجه الملك/ فيصل بن عبدالعزيز- حينها- حكومة بلده بدعم الخزينة العامة للدولة اليمنية ورفدها بملايين الريالات. وفي 4 أغسطس 1975م شكّل مجلس التنسيق اليمني السعودي المشترك- والذي كان يعقد بصورة منتظمة كل ثلاثة أشهر، ويناقش مجالات التعاون المشترك ودعم مشاريع البنى الأساسية في اليمن- وأصبحت المملكة السعودية أهم المانحين والشركاء الرئيسيين لدعم عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية اليمن حيث بلغ الدعم السعودي التنموي لما كان يعرف ب «الجمهورية العربية اليمنية» خلال الفترة 1975- 1987م حوالى مليار وربع المليار ريال سعودي (قرابة ثلث مليار دولار أميركي)، شملت العديد من المجالات المختلفة. أما مرحلة التسعينات فقد شكّلت فترة استثنائية من مرحلة العلاقات حيث تعرضت العلاقات اليمنية- السعودية لحالة من الفتور نتيجة لموقف اليمن من غزو العراق للكويت عام 1990م، ثم عادت العلاقات بين البلدين بعد توقيع مذكرة تفاهم في 1995م وتُوجت عام 2000 م بتوقيع اتفاقية الحدود المعروفة بـ"اتفاقية جدة"، التي اعتبرت تحولاً تاريخياً هاماً، حيث بدأت العلاقات بين البلدين تأخذ منحى مؤسسياً مع رفع شعار الجيرة والشراكة السعودية اليمنية، وفي 2001م تبنت السعودية دورًا رئيسًا في نتائج قمة دول مجلس التعاون الخليجي التي عقدت في مسقط وأصبحت اليمن- بموجب ذلك القرار- مرتبطًا بالمجلس مؤسسيًّا واستراتيجيًّا كعضو مشارك، وتبعتها إجراءات مكملة، إيمانًا منها بأن اليمن جزء من إقليم الجزيرة العربية والخليج. وفي يوليو 2003 م وقع البلدان سبع اتفاقيات تأتي في مقدمتها الاتفاقية التي تتعلق بالتعاون الأمني ومكافحة الإرهاب، وتعتبر هذه المرحلة من أفضل المراحل في تاريخ العلاقات السعودية اليمنية في التاريخ الحديث. وفي 2011م تزعمت السعودية التوافق على المبادرة الخليجية، وصياغة بنودها الأساسية، وكانت على اطلاع بالمراحل الطويلة التي تمخضت فيما بعد عن الآلية التنفيذية لهذه المبادرة، وبذلك تمكنت المملكة العربية السعودية من إنهاء الأزمة السياسية في اليمن, ولعل في التوقيع على المبادرة في العاصمة السعودية الرياض، دلالة تؤكد عمق الثقة بين البلدين. ثم استمر الدعم السعودي في كافة المجالات لحكومة الوفاق الوطني التي أعقبت خروج علي عبدالله صالح من الحكم، ويأتي الدعم الاقتصادي في المقدمة، حيث دعمت المملكة العربية السعودية الموازنة اليمنية بأربعة مليارات دولار خلال العام 2012م. و في 2013 م أودعت المملكة مليار دولار أميركي في البنك المركزي اليمني لدعم قيمة الريال اليمني، من أجل المساهمة في استقرار اقتصاد البلاد التي تعاني من أزمة كبيرة أودت بالاقتصاد إلى مشارف الانهيار وقد وصف صندوق النقد الدولي، آنذاك، هذا الدعم بأنه " إنقاذ للاقتصاد اليمني". وبعد أن أسقط الحوثيون صنعاء في 9/ 2014م، بدعم حليفهم علي عبدالله صالح، سعت المملكة جاهدة لتثبيت الشرعية اليمنية وباركت- مع شركائها في مجلس التعاون- مباركة اتفاق السلم والشراكة، ودعمت كل الجهود السياسية لمندوب الأمم المتحدة، ودعت كل الأطراف للحوار في الرياض. وبعد أن قوبلت تلك المساعي برفض الحوثيين وصالح وبدأوا بالزحف العسكري نحو المحافظات الجنوبية، وجّه رئيس الجمهورية/ عبدربه منصور هادي، نداءً أخوياً لدول مجلس التعاون الخليجي بضرورة التدخل لإنقاذ الشرعية وحماية اليمن من السقوط بيد المشروع الإيراني الصفوي- الذي كاد أن يزج بالبلد في أتون حرب أهلية- فاستجابت المملكة للنداء الأخوي وتوجت العلاقات باتخاذ قراراً تاريخياً بقيادتها للتحالف العربي والذي انطلقت أولى عملياته بتاريخ 26/3/ 2015م تحت مسمى "عاصفة الحزم " مستندة إلى رسالة الرئيس هادي بطلب التحرك العسكري لحماية اليمن وشعبه من العدوان الحوثي المستمر، ومستندة كذلك إلى مبدأ الدفاع عن النفس المنصوص عليه في المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة وإلى ميثاق جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع العربي المشترك، وقد حظي التحالف العربي بمباركة محلية وعربية وإسلامية وأممية وبذلك توج هذا التاريخ من العلاقات ببذل الدماء حفاظاً على اليمن وأهلها وهذا دليل واضح على عمق العلاقات بين البلدين الشقيقين.
فتحي منجد
صفحات مشرقة من العلاقات اليمنية- السعودية 1078