تحولت أغلب وسائل الإعلام المحلية (قنوات، صحف، مواقع إلكترونية) إلى منصات دعائية تعبّر عن توجه مموليها، وأسقطت الحرب والصراعات مهنيتها وهامش الحرية فيها. وبفعل الغثاء الإعلامي والصحفي الموجّه، فقدنا الثقة بتلك الوسائل التي فرطت بتاريخها المهني مقابل حفنة دولارات ملطخة بعار التبعية والخيانة يقبضها المشرف الحزبي أو المخابراتي عليها. والغريب، يدمن بعض قيادات تلك المؤسسات (الدكاكين) الاستثمارية على نهب حقوق العاملين والمتعاونين معهم، بشكل وقح، رغم وفرة السيولة المالية لديهم منذ بداية الحرب. المضحك المبكي.. يحرص أولئك الكائنات الدخيلة على المهنة، التغني بالدفاع عن الحقوق والحريات ويتناسون بأنهم نهاية حقوق ولا يتيحون أي مساحة لحرية الرأي داخل مؤسساتهم. لقد تشابهت علينا دكاكين قطرنة العقول، وترسخ لديّنا قناعات بعدم صحوة القلة المهنية وعودتهم إلى جادة الصواب جراء خضوعهم لرغبة ممولين يعملون من أجل مصالحهم ولا يهمهم سمعة أدواتهم الإعلامية. وإذا كنا نحن أهل المهنة فقدنا الثقة بتلك الوسائل، فمن الطبيعي فقدان المتابع المطلع أو العادي ثقتهم بالإعلام، بعدما تحولت إلى منصات لتزييف الحقائق ونسف الوعي وقطرنة العقول عبر نهج تحريري تعبوي مقزز. ومع ذلك، يظهر بين حين وآخر وسيلة إعلامية جديدة أو قديمة تلتزم بشرف المهنة وتتيح مساحة كبيرة لحرية الرأي، وتحرص على تغطية الأحداث بمعزل عن توجهات القائمين عليها، وتصون حقوق العاملين والمتعاونين معها. الحلو ما يكملش وسط هذه الحرب، وسرعان ما تعود تلك الوسائل القديمة إلى وحل التبعية ويسير الجديد على خطى القديم، وهذا ما يدفع من يحترم نفسه للصمت، وتجنب الانزلاق إلى مهالك خيانة الذات والوطن.
محمد سعيد الشرعبي
دكاكين قطرنة العقول! 874