المتابع اليوم لأحداث الساعة, يجد أن هناك منافسة شديدة في الترويج للأكاذيب والوهم، حتى صار الصادقون في هذا البلد، مصدومين مما يدور، ويتساءلون.. ماذا يريد هؤلاء السياسيون بتسويقهم للوهم والأكاذيب؟ وهي تضرهم أكثر مما تفيد. تضرهم لأنها لا تحترم عقول الناس ومشاعرهم، ويسخرون منها، ولنا في تاريخنا وإرثنا حكايات وعبر يستوعبها الأذكياء بتجنب تسويق الأكاذيب والشائعات، لأن حبلها قصير، وفي أول اكتشاف للحقيقية يسقط أصحابها من ذاكرة المجتمع والرهان، ويتحولون لمجرد حثالة ونكرة يتطاول عليهم الصغير قبل الكبير، فالمجتمعات العربية والإسلامية، لديها في تراثها الديني قصة المسيح الدجال أو الدجال الأعور- هو لقب لرجل يعد ظهوره من علامات الساعة الكبرى عند المسلمين- والمقصود بالدجال الكذاب ولهذا الكذب صار لديهم شؤم، ومن يمارسه يضع نفسه في موضع المشؤوم.. فعلى القوى السياسية والاجتماعية-- التي تريد أن تكسب ود هذا الشعب- أن تتجنب الكذب عليه أو تمارس التدليس وتركيب الصور والبيانات المشحونة بالأكاذيب للترويج لوهم في طياته مستقبل مظلم غير واضح المعالم، ومشروع غير صادق وشفاف لا يقبله الناس بل يحط من أصحابه. ممارسات تدل على عدم رؤية ومشروع وطني يخدم الجميع، بكل أطيافهم وتوجهاتهم، تصدر من روح التعصب والتطرف لمشروع صغير طائفي أو مناطقي أو أيدلوجي، يدفع بأصحابه لبث صور الوهم التي تسكنهم وتنم عن تعصبهم. أرسل لي أحد الزملاء- وهو من الكتاب المخضرمين والرائعين في صحيفة أكتوبر/ فيصل أبو حنين- أرسل رسالة فيها إعجاب لمقتبسات من مقال قديم لي بعنوان (خلع رداءَ الـتـعـصُّـبِ مـن عــقــولـنـا) بترتيب جميل يجنبنا ممارسة الدجل على الناس على النحو التالي: ــ أن لا نتعصب لطرف على طرفٍ آخر.. ــ أو نصطف بالوكالة للنكاية بالآخر.. ــ أو نكون طرفاً في الخصومة.. ــ أو نرى أخطاءنا أو أخطاء غيرنا ونغض الطرف عنها.. ــ أو نمارس بتر الحقيقة أو إخفائها عن عيون وأسماع الناس.. ــ أو أننا لا نرى بحيادية ووطنية لخدمة الصالح والمشروع العام.. وإنما لتلبية مصالحنا الشخصية وإشباع شهواتنا وغرائزنا وقناعاتنا الأنانية!! فالمشكلة تكمن في جهلنا بذلك كله، لأننا لم نتحرر بعـدُ من قـيــود... ــ الـتـبعــيَّــة.. ــ والمناطـقـيَّـة.. ــ وتأليه أصنام الزعامات.. ــ والاصطفاف الجهوي أو القبلي. فالبعض منا يُشاهد المشهد الخاطئ بأم عينيه من قبل صنمه المعبُود، أو حزبه، أو مكوِّنه، فلا يتجرأ يوماً ما بأن يُدين أو ينتقد منه ذلك أو يُحرِّك ساكناً، بل رُبما يصفه بأنه خُدعة بصريَّة أو حِنكة سياسية. فلماذا لا نتحرر ــ إذاً ــ من تلك القيود المُكبِلة لعقولنا، لنرى الحقيقة واضحة كوضوح الشمس وجلية كجلاءِ النهار المتمثلة فــي... ــ الممارسات.. ــ والأفـعـــال.. ــ والمواقــف.. ــ والتداعيات.. ــ والسلوكيات اليومية التي نلمسها ونشاهدها بأعيننا، لنقوم بإرسالها إلى الدماغ ليحللها لنا بعيداً عن الصورة الذهنية المُسبقة المُشوَّهة وبموجبها يُرسلُ لنا الدماغ النتيجـة... ــ ليُشعرنا بها.. ــ ويُثبتهـا لـنا.. ــ ويُخبرنا بأنها هي الحقيقة اليقينية التي يجب أن نأخذ بها دون جدال أو مِراء أو شك فيها!! فالحقيقة المخفيَّة أو المُغيبة عنَّا تحتاج منا ــ اليوم ــ إلى... ــ رجال صادقين.. ــ وفـطـنـة ذكـيـة.. ــ وفراسة صائبة.. ــ وعقول راجحة.. ــ ومـنـطـق سلـيـم.. والمُوفَّق مَن وفَّقهُ الله لذلك كله، وما على الرسول إلا البلاغ المبين!!
أحمد ناصر حميدان
هل اقترب زمن الدجال الأعور؟! 1425