بكثير من السذاجة المعيبة، تعول الشرعية اليمنية على مجلس الأمن والمجتمع الدولي في وضع حل سحري للأزمة في اليمن وإنهاء الانقلاب، متغافلة عن حقيقتين كلاهما في غاية الأهمية: أولاها أن الشرعية التي لا تتفانى في فرض هيبتها وحضورها في أرض الواقع، وواجدان الناس، عبر احتكار القوة وإقامة نموذج جاذب للدولة في المناطق الخاضعة لسيطرتها؛ لن تكون حرية بالتمكين والتوسع والنماء، فالقضايا العادلة لا تنتصر من تلقاء نفسها، بل إن هذه فرضية تتنافى مع منطق العقل، وطبيعة الحياة القائمة على التدافع، وصراع الإرادات. وثانيها: إن المجتمع الدولي ليس الأم "تريزا" وإنما هو مجموعة دول كبرى لها رؤيتها، ومخططاتها، وهي تسعى لخدمة مصالحها، وتمرير مشاريعها، من خلال توظيف الأزمات، والتفاعل معها وفقاً لحساباتها، وتلك مسألة يمكن تفهمها وفقا لفلسفة جلب المصالح السارية في الكرة الأرضية، لكن ما لا يمكن تفهمه هو أن نتخيل أن الآخر معني بنا، وبحمل همومنا، وتحمّل تبعات تفريطنا. إن الدول الكبرى وهي تضع عينها على المنطقة العربية، الغنية بالثروات، والفقيرة في الإدارة، والقيادة، رأت مؤخراً أنه يمكنها أن تحقق الكثير من المكاسب والمصالح عبر توظيف الأقليات، والنزعات التسلطية، وبما يمكنها من الحضور والتحكم بخيوط اللعبة من وراء ستار، بخسارة صفرية. ولقد كان لها ما أرادت، وتحقق لها ما تمنت بأياد عربية خالصة، فما لم تطله في العراق بقواتها المباشرة، حققته عبر محاربتها لتنظيم داعش الإجرامي، فما أن يحل عناصر التنظيم في منطقة حتى تُضفى عليها صفتهم، ويصبح شن الحرب عليها عملاً محموداً مرحباً به على المستوى المحلي والإقليمي. وليست سوريا عن هذا المسار ببعيد. وكذلك الحال في اليمن، حيث كانت الدول الغربية تراقب انتفاشة المليشيات الحوثية، وتمددها على التراب الوطني، منذ اللحظة الأولى، وهي تضع يدها على قلبها فرحاً بالفرصة التي واتتها عبر هذه المعطيات المستجدة. مرة أخرى، يمكن تفهّم حقيقة أن الدول الكبرى -وغيرها- تسعى لتحقيق مصالحها، عبر طرائق وأسالب عدة، دون كثير اعتبار لمعاناة المطحونين، وتعمل على توظيف ملابسات الصراعات القائمة في اليمن والمنطقة العربية لتصب محصلاتها في صالح مشروعها، لكن علينا أن نعترف أولاً أنه لولا عجز قيادة الشرعية، وتواكلها، وترهل النخب السياسية، وتآكلها، ومراوحة القيادات العسكرية، وحيرتها، لما وجدت الدول الباحثة عن مصالحها، الآثمة، فرصة للتواجد، والتأثير الحاد على قراراتنا وإرادتنا، الوطنية الجمعية. إن المواطن اليمني البسيط الذي يضحي بروحه في مجابهة المليشيات الحوثية المتمردة، ويعرب عن رفضه لمشروعها العنصري الكهنوتي قولاً وسلوكاً، يبصق على مخيلة الشرعية التي تضع نفسها في خانة" أرملة المرحوم" التي لا يسعها سوى الشكوى، وإطلاق البيانات، ومطالبة الأخرين القيام بوظائفها الوطنية، والسيادية. حالة مخجلة استغلتها المليشيات الحوثية، فمدت رجلها ارتياحاً، وأطلقت يدها قمعاً وتبجحاً، وصارت تحاور المبعوث الأممي مارتن غريفيث، على ما تم الاتفاق عليه بالأمس، وستحاوره غداً على ما سيتم الاتفاق عليه اليوم، مستفيدة من حالة التيه الشرعي، ومتاح الحركة في العمر الافتراضي الممنوح لها، وفقا لمنطق القوة، والأمر الواقع. إن الحل يبدأ من إيمان الشرعية بذاتها، وسعيها القوي لفرض إرادتها، وترجمة طموح الشعب في الأمن، والحرية، والحياة الكريمة. وإن رافعة الجيش المسنودة بقوات التحالف العربي قادرة على التمكين للشرعية في حال قررت الشرعية الاعتماد عليها، والالتحام بالشعب، وملء الفراغ الذي يتمدد فيه شيطان المليشيات والعناصر الخارجة عن القانون، وساعتها لن يجد الوصوليون نافذة لدس أنوفهم في شئوننا الداخلية. *المصدر أونلاين
خالد العلواني
الشرعية.. سذاجة معيبة وترهل مخجل 823