ميادين العمل البطولي واسعة، ومجالاته متعددة، وطرق البطولة معروفة وجبهاتها متنوعة، والقمم الشماء العالية الشموخ لا يتبوؤها إلا الأبطال؛ وهي تتسع وتمتد لكل بطل يصل إليها، فبمقدار عدد الواصلين بجهودهم تتسع لهم القمة مهما كانت كثرتهم: تريدين إدراك المعالي رخيصة** ولابد دون الشهد من إبر النحل فالبطولة ليست بالأماني أو مجرد تطلع، ولكنها سير جاد، كما أنها بذل وعمل: ألا لا أحب السير إلا مُصَعِّداً** ولا البرق إلا أن يكون يمانيا غير أن قمم البطولة لا مجال فيها لمتسلق، ولا سبيل إليها لمتطفل، ولا تُنال بحركات استعراضية، ولا بصناعة إعلامية، ولا تتأتّى لخائر رعديد! فمحل هؤلاء التلاع والقيعان: ولست بحلّال التلاع مخافة** ولكن متى يسترفد القوم أرفد مزاعم البطولة كثيرة أيضا، ومدعوها كُثُر، ولكن هؤلاء يخوضونها من وراء جدر، وبعيداً عن ميادين البذل والفعل، وإنما من قعر مطابخ مأجورة، تمولها أبراج عاجية، كليلة السير، مائعة الهدف: وإذا ما خلا الجبان بأرض** طلب الطعن وحده والنزالا هذا الصنف من الناس يشحتون البطولة بعنتريات الحرف، واستعراض القول، وتشدق اللفظ، ودنس الدولار! يملأ المكان تحديا وضجيجا، فإذا دعاه الواجب لترجمة القول بالفعل تحسّس رقبته واستنجد بقول القائل: ولو أنني في السوق أبتاع غيرها** وجدّك ما باليت أن أتقدما بينما لسان حال الأبطال: أقول لها وقد جشأت وجاشت** مكانك تُحمدي أو تستريحي ومدعي البطولة إذا ناداه منادِ الإنفاق (ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا) شحّ وأمسك، وبخل وتضجر، وقبض يديه ووَلْوَل وقال: الحقوق كثيرة، والعيال أكثر، والظروف قاسية، والغلاء يزداد، فيبدو وكأنما هو المعني بقول القائل: تراهم خشية الإطعام خُرْساً** يُقِيمون الصلاةَ بلا أذان على خلاف مواقف ذلك السمح الجواد الكريم: إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له** أكيلا فإني لست آكله وحدي وتمثل في واقع الحياة بدائل ومُتاحات، وطرق أخرى كثيرة للبطولة؛ في البذل والمكارم والمساندة.. وهناك من يعلو سهمه، ويطول باعه، وهناك من تقعد به همته، ويزري به بخله، ويكون نصيبه ما أشار إليه جرير - مع استبدال مفردة: والتغلبي إذا تنحنح للقِرى** حكّ (انفه) وتمثل الأمثالا فيعيش ويحيا وليس له من فضل أو دور أو نصيب إلا قول الشاعر: دع المكارم لا ترحل لبغيتها** واقعد فإنك أنت الطّاعم الكاسي فإذا كان ميدان العنتريات قولا وكلاما؛ صال به وجال، وجندل الأبطال، ومَنّ على الجرحى وقاد الأسرى، وزعم أنه جاء بما لم تستطعه الأوائل! البطولة تضحية وبذل، وعرق ودم، وعطاء وإنفاق، ونصح ورأي، ودعم ودعاء وتعبئة واستنفار، ومواقف ومساندة : لولا المشقة ساد الناس كُلُّهمُ** الجود يفقر والإقدام قَتّالُ البطولة ليست بالشحت أو التسوّل، إذ لا يمكن أن يشحتها متسول أو متسولون؛ لأنها جهد وجهاد، ومشقة وكفاح، وعمل في ميادين البطولة المختلفة؛ ولهذا يتقهقر أصحاب الادعاء العنتري للبطولة، فيشحتونها من خلال تسولهم لها بالتمترس خلف الحروف المدوّية، والتصريحات الطنانة، والمقالات الرنانة، والمظاهر الكاذبة، ذخيرتهم الدرهم والدولار، والنهيق خلال الديار للبلبلة والإرجاف . فاذا شعروا أن عنترياتهم الكلامية - تلك - لم تسعفهم، ولم تبلغ بهم أغراضهم، وأن المجتمع يستنكر الحركات الجوفاء منهم، سعوا لتغيير وسيلة شحت البطولة، فإذا هم يتعرضون للأبطال بالشتم حينا، وبتقليل أدوارهم حينا آخر، وبهدم المواقف البطولية للأبطال تارة أخرى، وشعارهم في ذلك: إذا أنت لم تنفع فَضُرّ فإنما** يُرَجَّى الفتى كيما يضر وينفع البطولة فعل ملازم للأبطال في أي ميدان من ميادين التضحية والعطاء، وهي بالتالي عمل لا يمكن لشحات أن يتصف بها عن طريق الشحاتة، إذ البطولة صفة لا يدركها الشحاتون، أو يسرقها المهرجون، أو( المفصعون)، وحتى الإعلام المضلل لا يصنع بطولات حقيقية، فمهما دندن وثرثر، فإنه إنما يصنع بطولة من ورق! البطولة الحقيقية- اليوم- خطها مواجهة الكهنوت الحوثي بكل السبل والوسائل، وأن يصطف الجميع لإسقاط المشروع الظلامي المدمر، ومن يبحث عن بطولة سهلة خلف صفوف الأبطال، فإنما هي خدمة مجانية -ربما- لمصلحة الكهنوت، وأما المجتمع البطل برجاله ونسائه، فيعرف أين يقف ويصطف، وماذا عليه أن يفعل.
أحمد عبدالملك المقرمي
البطولة يصنعها الميدان لا التسول 1086