منتصف العام 2010 وقف عصام وسط وادي سردود ليرد على مكالمة طارئة، ترك النظر في أعين أهل الوادي، كان قد أدمن التأمل في محاجرهم وبمجرد النظر يعرف ماذا يعتمل في أجسادهم. بعدها بأيام كانت الأيادي تصفق له وهو يعتلي منصة التكريم في الشارقة وقد توّج مشروع يديره "برنامج العمى النهري" بجائزة أفضل عمل تطوعي. ووسط الفرحة هربت من عيونه دمعة ذكرته بمن تركهم أعلى الوادي وهو يقول " انتصرنا ". عاد عصام الدين عوض إلى ذات الوادي وإلى النقطة التي وقف عندها، وبدل أن يسافر إلى الخرطوم، وجد نفسه محاطا بأعين أهل الوادي وأسئلتهم، وقد أخبرهم أن أحدا لن يفقد البصر. كان يقدم لهم الأمان من مرض السوداء (العمى النهري) الذي يستوطن واديهم ويسكن اليمن منذ العام 1955 ويهدد الأعين ولون الجلد. اعتاد سكان السهل التهامي وقد درب عدداً كبيراً منهم على التعامل مع الحالات المصابة الاتصال بعصام كلما راودهم الشك. كان الشاب القادم من ضفاف وادي النيل يقينهم، لم يكونوا يصدقون غير كلماته وكشافته وابتسامته حين يرسمها في وجه الوادي. وحين لم يعد المرض حاضراً بينهم، طلبوا منه مدرسة ومشفى وقد أقيمت لهم حينها بدعم من جمعية الإصلاح، حيث كان المشروع الذي يديره على صلة مالية بالجمعية. في المرة الأخيرة سافر عصام دون أن يودع أحداً ممن أصبح جزءاً منهم، وهو يحزم متاعه كان يعرف أنه لن يعود فقد وصل الحوثيون إلى حيث الوادي واحتلوا الجبل ونصبوا المدافع.. ومع حلولهم أسرعت أسراب من ذبابة سيميوليم الحامل للمرض لتعيد ما تخبئه في يرقاتها. قبل أيام كنت مضطراً لكتابة خبر عودة مرض السوداء إلى الوادي، إلى الأماكن التي كافح فيها عصام جنباً إلى جنب جوار يمنيين كثر، عادت كل الأمراض المهملة التي حاربها ضمن مشروع متوقف حاليا. أصبحنا نحن المهملون وليس ما قاتل الفتى السوداني الهارب حالياً إلى بلد ثالث، كل الأوطان متاحة له إلا بلاده. لقد كان غريباً بيننا لعشرين عاماً وهو الآن غريب في بلد بعيد ومن كتب خبر تتويج عصام يومها ويعود الآن ليكتب خبر..
صقر الصنيدي
الوادي الذي تشرد منه عصام واستوطنه الحوثيون و 879