عقدت في مبنى محلس العموم البريطاني يوم الخميس الموافق ١٤فبراير ٢٠١٩ ندوة هامة بعنوان ( اليمن: نظرة نحو المستقبل) Yemen : Looking To The Furure شارك في الندوة: ١/ الدبلوماسي السير مارك لايال جرانت. ٢/ الكاتب جوناثان باريس.٣/ عضو البرلمان اندرو ميشيل ٤/ عضو البرلمان ايفان لويس ٥/ الصخفي الايرلندي باتريك كوك برن ٦/ الكاتبة هيلين لاكنر ٧/ الكاتب في الشأن اليمني الدكتور نويل برهوني٩/ الدكتور جاك كارافيلي ١٠/ اللورد دوبس ١١/ السفير د. ياسين سعيد نعمان. أدار الندوة السيد خالد نديم رئيس منتدى جنوب آسيا والشرق الأوسط. ملخص المداخلة التي قدمناها إلى الندوة(مترجمة إلى العربية). ١- أشكر منظمي الندوة والذين تحدثوا عن الوضع في اليمن في مجالات مختلفة وسياقات متعددة، وبرؤى نكن لها التقدير، بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معها. ٢/ أمضيت حتى الآن أكثر من ثلاث سنوات كسفير لليمن في هذا البلد، وشاركت في ندوات ومؤتمرات وفعاليات كثيرة مكرسة لمناقشة الأزمة اليمنية، وسمعت الكثير من الآراء ووجهات النظر والحكايات المتعددة، والتي تناولت الأزمة من زوايا عدة ومن مواقف وتقديرات مختلفة. ٣/ كثيراً ما كانت هذه الآراء تركز على الجانب الإنساني، وهي نتائج للمشكلة الحقيقية، أو أنها تحاول أن تعطي بعداً مختلفاً لها بالحديث عن أنها مشكلة بين السعودية واليمن، وأحياناً هناك من يصفها بأنها حرب الوكالة. وفي كل الأحوال كان ينشأ عن تجاهل جذر المشكلة، أو إعطائها مثل هذه التفسيرات الخاطئة، الإخفاق في بناء مقاربة بناءة للحل الذي يحقق السلام. ٤/ في كل المشاركات كنت أحاول العمل على تصحيح طبيعة المشكلة، واستحضار جذرها وبعدها السياسي من منطلق أنه بدون العودة إلى جذر المشكلة والتعاطي مع الأسباب التي قادت إليها، وتتبع هذه الأسباب وتداعياتها، فإن الحديث عنها لن يساهم في إنتاج الحل بقدر ما سيؤدي إلى مزيد من التشعيب. ولذلك اسمحوا لي في هذه الندوة الهامة وعلى هذا المستوى من المشاركين، أن أواصل نفس المسار في مداخلتي بالتركيز على جذر المشكلة والتداعيات التي نشأت عنها والجهود السلمية التي خاضتها الحكومة بهدف إيقاف الحرب والعودة إلى العملية السياسية السلمية. ٥- في ٢٠١١ وفي مثل هذه الأيام خرج الشباب ومعهم الشعب في اليمن يطالبون ببناء دولة المواطنة المتساوية وقيام النظام الديمقراطي المدني العادل. وكان ذلك تواصلاً عضوياً مع مطالبات الشعب في الجنوب بإصلاح الوحدة التي تعرضت لانتكاسات كبيرة والتي أخذ يعبر عنها منذ ٢٠٠٧في حراك سلمي متواصل. ٦- لتجنب السقوط في فخ العنف والمواجهات المسلحة التي أخذت تحيط بالعملية كلها، قبلت الأطراف المختلفة مبادرة الأشقاء في دول الخليج العربية والتي تقضي بنقل السلطة سلمياً إلى نائب الرئيس، ومنح الرئيس السابق حصانة من أي مساءلة، وإجراء حوار وطني شامل بشأن طبيعة الدولة والنظام السياسي. وتم نقل السلطة مع كل الصعوبات التي زرعت في هذا الطريق، وانتخب نائب الرئيس الذي انتقلت إليه السلطة عبد ربه منصور هادي رئيساً توافقياً من كافة الأطراف، وحددت فترة انتقالية لإنجاز الترتيبات الخاصة باستكمال نقل السلطة بناء قواعد سياسية وإدارية للتوافق الوطني وتخليص مؤسسات الدولة مما لحق بها من أضرار بسبب معايير التعيين على أساس الموالاة، وإجراء الحوار الوطني وصياغة الدستور الجديد، وهي المهمات التي كانت على وشك الاستكمال بإنجاز الدستور وطرحه للاستفتاء. وكنا على موعد بطرح الدستور الجديد للاستفتاء حينما هاجمت المليشيات الحوثية صنعاء، مدعومة بجزء من النظام القديم الذي كان يتحين الفرصة للانتقام، وبدعم كامل من إيران، واحتلتها في سبتمبر٢٠١٤. وبصورة عاجلة ودموية استكملت المليشيات الحوثية السيطرة على الدولة، حيث مكنها النظام القديم من الاستيلاء على مراكز القوة وخاصة المعسكرات والسلاح، إضافة إلى ما كانت قد حصلت عليه من أسلحة إيرانية. ٧- أعلنت إيران على لسان أحد قادتها سقوط العاصمة العربية الرابعة "صنعاء" بيد حلفائها مما يعزز مكانة إيران في المنطقة، على حد زعمه. وأجرى الحوثيون في نفس الوقت مناورة بالأسلحة الثقيلة على الحدود مع السعودية، وبدا أن الانقلاب على التوافق السياسي الوطني اليمني من قبل الحوثيين قد استكمل أركانه وأخذ يعلن عن أهدافه كجزء من مشروع طائفي انقسامي إيراني في المنطقة، هدفه نشر الفوضى لتكسير الدولة الوطنية في بلدان المنطقة، وإعادة بنائها على أسس طائفية. ٨- كان لا بد من مقاومة هذا المشروع الخطير الذي يؤسس لفوضى شاملة في الإقليم كله، ولهذا الغرض تشكل تحالف واسع بدعوة من اليمن لإنقاذ اليمن ودولته من هيمنة المشروع الإيراني. ٩- لعبت بريطانيا دوراً إيجابياً في كل مراحل العملية السياسية بدعمها لكل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن بشأن الانتقال السياسي حتى القرار ٢٢١٦ الذي يطالب الحوثيين الانقلابيين بالتخلي عن القوة والعودة إلى العملية السياسية. ١٠- هذا الانقلاب الذي قادته المليشيات الحوثية، بما يحمله من تعدٍ على حق الشعب اليمني في تقرير مستقبله عبر الحوار الذي خلص إلى إقامة الدولة الوطنية الديمقراطية لكل اليمنيين، وتجنب مخاطر الفوضى على اليمن والمنطقة كلها، هو جذر المشكلة الذي لا يمكن إهماله حينما يتعين علينا أن نبحث عن حل لهذه المشكلة. ١١- لم تتوقف الحكومة الشرعية بقيادة الرئيس هادي ومعها تحالف دعم الشرعية، عند قرار استعادة الدولة من أيدي الانقلابيين بقوة السلاح والذي هو حق مشروع للسلطة الشرعية، بل عملت وواصلت عملها لتحقيق ذلك بواسطة الجهود السلمية التي قادتها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي من لقائي جنيف وبل عام ٢٠١٥، إلى مفاوضات الكويت عام ٢٠١٦ والتي توصلت إلى نتائج إيجابية رفضها الحوثيون في آخر لحظة، إلى لقاء استوكهولم عام٢٠١٨ والذي خلص إلى نتائج تقضي بانسحاب الحوثيين من الحديدة والموانئ الثلاثة فيها وإنشاء ممرات آمنة لإيصال الغذاء والدواء للناس، وتبادل الأسرى والمحتجزين، وتشكيل لحنة للنظر في وضع تعز، على أن يكون تنفيذ بنود هذا الاتفاق مقدمة لمواصلة التفاوض حول خارطة أوسع من الموضوعات. ١٢- في موضوع الحديدة كان الجيش الوطني على وشك أن يستعيد هذه المدينة الهامة المطلة على مداخل البحر الاحمر وباب المندب، وأن يحررها وميناءها من سيطرة المليشيات الانقلابية التي باتت تهدد الممرات المائية الدولية، لكن الحكومة استجابت للأمم المتحدة والمجتمع الدولي بضرورة معالجة الوضع سلمياً تجنباً لما قد ينشأ عن ذلك من أوضاع إنسانية صعبة، غير أن الحًوثيين تنصلوا بعد الاتفاق من كل التزاماتهم، وعادوا إلى المناورة من جديد، وهم على وشك أن يفشلوا هذا الجهد الدولي كما أفشلوا كل الجهود السابقة. إن كل جهود السلام، بما في ذلك اتفاق ستوكهولم، تصطدم برفض الحوثيين تنفيذ أيٍ من هذه الاتفاقات، وهناك أسباب ودوافع لهذا الرفض: ا- الطبيعة المليشاوية والأيديولوجية لهذه المجموعة والتي ترفض صيغة المواطنة وترى نفسها أنها صاحبة الحكم من منظور سلالي استعلائي. ب- تتدخل إيران في عملية التنفيذ بصورة انتقائية للضغط لصالح مشروعها في مناطق أخرى، ج- تراهن المليشيات الحوثية على استمرار الحرب وتفاقم الوضع الإنساني الذي سيؤدي من وجهة نظرها إلى ضغط دولي لإنهاء الحرب في وضع يمكنها على الأقل من تمرير مشروعها بإقامة الدولة الطائفية. ١٣- إلى جانب جهود السلام التي انخرطت فيها الحكومة فقد عملت الحكومة على تخفيف المعاناة الانسانية، وقدّم التحالف- بقيادة المملكة العربية السعودية ومعها الإمارات العربية المتحدة والمنظمات الإنسانية ودول أخرى مثل الكويت وبريطانيا- الدعم الكبير في عمليات الإغاثة وتسيير قوافل الدعم المادي بالغذاء والدواء. ١٤- انتقلت الحكومة إلى عدن العاصمة المؤقتة وأخذت تؤسس- بخطوات كبيرة- استعادة مؤسسات الدولة التي دمرها الحوثيون أثناء هجومهم على عدن وخاصة وسائل الاتصال والبنوك والموانئ والمطارات ومخازن الأغذية والطرقات ومحطات توليد الكهرباء والمياه وغيرها من الخدمات والتي حولت المدينة إلى حطام يحتاج إلى إعادة تأسيس من الصفر، وهو ما قامت به الحكومة بصورة نسبية حتى الآن، بما في ذلك دفع رواتب الموظفين، واستعادة النشاط الاقتصادي والبنكي والمالي بصورة عامة. وتعمل الحكومة على توفير الظروف لدفع رواتب الموظفين الحكوميين والقطاع العام في المناطق التي يسيطر عليها الانقلابيون إلا أن كل الترتيبات المتفق عليها مع الأمم المتحدة بخصوص تنظيم الموازنة وتوريد الدخل إلى البنك المركزي قد اصطدم برفض الحوثيين تنفيذ الاتفاقات، الأمر الذي أبقى قطاعاً واسعاً محروماً من المرتبات، وفي حين يتحصل الحوثيون على موارد كبيرة من المؤسسات التي تأتي تحت سيطرتهم فإنهم لا يلتزمون بدفع رواتب العاملين في هذه المناطق . ١٥- لا يحتاج اليمن إلى قراءات متعددة لمشكلته تغيب فيها حقيقة أن الانقلاب على الشرعية الدستورية وعلى التوافق الوطني لتلبية متطلبات مشروع انقسامي فوضوي في المنطقة كان هو السبب الذي أنتج المشكلة وأغرق البلد في الحرب. وفي هذا السياق وحده يمكن فهم المشكلات الأخرى التي تفرعت عن هذه الحقيقة. ١٦- هذا هو جوهر المشكلة، وكانت القراءة التي قدمها القرار الأممي ٢٢١٦ لعام ٢٠١٥بخلفيته التي استندت على العملية السياسية التوافقية والانتقال السلمي للسلطة وما نشأ عن ذلك من تفاهمات واتفاقات: المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني، قد جعل هذه المرجعيات أساساً للحل. ١٧-مستقبل اليمن هو في علاقته بمحيطه العربي، وننظر بثقة إلى أن هذه الحقيقة قد أخذت صيغتها الجوهرية من الروابط التاريخية الأخوية ومن العلاقات التي تشكلت على قاعدة المصالح المشتركة والدعم الذي حظي به اليمن من جيرانه على كافة الأصعدة ومنها دعمها في استعادة الدولة من المليشيات الحوثية ومشروعها الإيراني الانقسامي. ١٨- هذه المرجعيات تلخص الحل بوضوح، وبموجبها نقول للحوثيين بكلمات مبسطة: تعالوا لنبني المستقبل على أساس المواطنة المتساوية، والديمقراطية، واحترام حقوق الانسان، والتمسك بوطنٍ خالٍ من الظلم وعدم المساواة، وتجريم القوة في حل النزاعات السياسية، وقبل هذا عليكم التخلي عن الاعتقاد بقدرتكم على دفع اليمن نحو فخ الدولة الطائفية، هذا ما لم ولن يقبله شعبنا مطلقاً وبأي صيغة كانت. والسلام عليكم وشكراً
د.ياسين سعيد نعمان
اليمن : نظرة نحو المستقبل 1432