حياتا معاقة، مقارنة بعالم متغير في تطور مستمر ونهضة لا حدود لها، يمكن أن تكون للصراعات السلبية والحروب الدورية سبب رئيس في هذه الإعاقة، وما هي إذاً أسباب تدوير هذه الصراعات والحروب وتوالدها لتعيق حياتنا ونهضتنا وسعادتنا، لنكون أمة كسائر امم المعمورة. هل هي الأنانية والـ"أنا" التي تسيطر على نفوس الكثيرين؟ ولاشك أن للأنانية والأنا دور سلبي في المجتمع، باعتبارها حُبّ الذّات المُطلَق والشّديد، حتّى ولو على حساب الآخَرين، هي مصدر الغرور والتسلط والفساد، وهي مصادر الأذى الذي يلحق بالمجتمع والصالح العام والوطن والهوية والسيادة والإرادة الوطنية. الأنا الفردية، تتطور لأنانية جماعية، ويمكن أن يشترك هؤلاء في مكون سياسي، تجمعهم أنانية طائفية أو مناطقية أو عرقية، ذات مشاريع صغيرة أنانية ضيقة، تجتمع تحت مظلة الأنانية السياسية. وعندما تسيطر الأنانية على العمل السياسي والقرارات، نصبح أمام كارثة تجعل التطوير والإصلاح مستحيلاً، لأن الأنانية عقلية صلفة متحجرة يسيطر عليها الغرور، لا تقبل الشراكة، ترى الامور بعيونها وليس بعيون الآخرين، فلا تستمع لهم، تتصلب برؤاها، فلا تمتثل للتغيير وتصحيح للرأي الآخر والنصيحة؛ الأنانية تشل نمو الأداء السياسي، تئد روح العمل الإصلاحي وزرعه في الأجيال القادمة، وهي ظاهرة خطيرة تتيح فرص للمتنفذين والعابثين والفاسدين في التحكم بمصير البلد والأجيال، أن يجتمعوا تحت مظلة تحميهم وتشرعن أنانيتهم، فيعيقون نهضة أمة ومصير ومستقبل وطن. لولا الأنانية المفرطة، لكنا بمختلف مشاريعنا السياسية، بكل مختلف قناعاتنا المصيرية، بتعدد رؤانا، وأحلامنا الفردية، لأبد أن يجمعنا حلم مشترك، حلم وطن يستوعبنا جميعا على قلب واحد ورؤية واحدة متنوعة الأبعاد والآمال، حلم يتجاوز الأنانية، هذا هو الحلم الذي جمعنا معاً في ساحات الثورة، عندما ثرنا معا ضد أنانية التسلط والفساد، وأضعفنا مظلتهم السياسية التي يحتمون بها. اجتمعت كل الأنانيات البغيضة معاً في تحالف الثورة المضادة، ضد ثورة الشعب والشباب؛ أنانية مهما تحالفت تأكل بعضها بعضاً، حيث تجمعها المصالح الضيقة، وعندما تنتهي المصالح تبدأ الأحقاد. أنانية تحاول غرس مخالبها في جسد الوطن تنهشه، وتتمسك به لتمتص رحيق الامة لتعيش على حساب الآخرين، كدروع بشرية يموتون في الصفوف الأمامية للجبهات أو جوعاً وعطشاً من أجل أن ينعم أسيادهم بالثراء وبذخ العيش، ناهبين متسلطين عابثين، وهذا ما يحدث اليوم في المناطق التي تسيطر عليها الأنانية السياسية والمشاريع الصغيرة وميلشيات الموت التي تقتل وتنتهك حرمات وكرامة الناس، وتدعي زوراً الوطنية. نحتاج أن نرتقي بأنفسنا لمصاف الانسانية، لكي نتخلص من الأنانية، نبني تسوية مع الذات قبل الآخر، تسوية تنهي كل صراعات الزمن الغابر، وتنهي كل الثارات وتهد جبال من التراكمات، تصلح الشروخ الاجتماعية والوطنية، وتعافى كل مريض بالحقد والضغائن والنفس الأمارة بالسوء، تسوية تهد كل جدران العزلة والخصومة والأنانية التي يختبئ خلفها الفساد والارهاب ويداهم مجتمعنا من حين لأخر ليغذي صراعاتنا ويعزز الفرقة والشتات والشيطنة. تسوية نرمم بها جسور الثقة التي دمرتها الصراعات والحروب والخصومات، جسور تعيدنا لاختيار الدولة الضامنة للمواطنة والتوزيع العادل للفرص والسلطة والثروة، وتبنى بقدر كبير من الديمقراطية والمساواة وتحسين الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، اسس ضمان الحياة الكريمة والمواطنة للإنسان في وطن الانسانية. تسوية كهذه لا تحتاج لمجتمع دولي ومندوب اممي، ما تحتاجه هي تعافي النفوس من الأنانية التي تقدم المصالح الضيقة على مصالح الامة والوطن، الأنانية السياسية التي وصفها ريتشارد داوكنز في كتاب (نظرية التطور) من جوانب اجتماعية وانثروبولوجيا، من تحليل وسرد توصيفي للسلوك البشري والطباع المتوارثة من أحقاد وضغائن وانتقام، نحو بنا مجتمع يتعاضد أفراده بسخاء بعيدا عن الأنانية لما فيه الخير للعام.
أحمد ناصر حميدان
الأنانية السياسية 1263