تتأرجح الحالة اليمنية المستعصية للغاية، بين الحرب والسلام، ولكنها تجنح للأولى بشكل دائم، وتحاول الأمم المتحدة أن تصل الطرفين بالسلام، حتى ولو مصافحة؛ لالتقاط الصور، وللعناوين البارزة في القنوات وعلى صدر الصحف.. عدا ذلك، فالحرب تعبث بكل شيء، ولا تترك فرصة لإحداث تقدم حقيقي نحو سلام مفترض، مبني على المرجعيات الدولية ونتائج مشاورات السويد، التي لا تزال هي الأخرى تنتظر أن تكون واقعًا ملموسًا، بعيدًا عن الصورية، والأدوار التمثيلية المتبادلة بين الحوثيين والأمم المتحدة. على شفا جرف، يكاد كل ما يتعلق بالحياة في اليمن أن ينهار، سواءٌ في صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين، أو في عدن ومناطق سيطرة الحكومة الشرعية، فكلٌ يغني على ليلاه، والمواطن المغلوب على أمره، هو من يجني تبعات هذه الحرب الكارثية، ومع كل إعلان عن حلقة جديدة من مسلسل صناعة السلام عبر مشاورات ما، فإن أعناق البسطاء والمكلومين ومن عصفت بهم ضائقة الحرب تشرئب نحو آمال تنتهي بانتهاء تلك الحلقة الأممية، وتعود الأوضاع إلى سابق عهدها بمزيد من الخذلان والحسرة من واقع مأزوم، ألقى بكارثيته على من لا يملكون قوت يومهم، ولا يجدون من يضمن لهم حياةً تعينهم على التعايش مع ما هم فيه. لا يملك طرف من الأطراف الشجاعة الكافية لإظهار رباطة جأش تجاه ما يجري، وإبداء الحقيقة المصادرة على الملأ، فالحوثيون سيطروا على كل شيء، في وقت لم يكونوا يبحثون فيه عن أي شيء.. لكن اللعبة الإقليمية، للقوى التي استنفرت أجهزتها السيادية، هي من دفعتهم للانقضاض على ثورة فبراير، ومنع أي تقدم يحسب للثورة الشبابية على الأرض، من مشاريع وبرامج تنموية وقوانين جديدة وتفاهمات تنهي حقب التبعثر والبحث عن الذات اليمنية، إضافة للاستقلالية والحرية والكرامة، حتى إذا ما تمكنوا، انحرفت بوصلتهم تجاه شركاء المعتقد "إيران" على حساب شركاء المصلحة والهدف "دول الجوار"، ليصبحوا بعد ذلك في عيون حلفاء الأمس أعداءً حقيقيين، وجب إيقافهم بالقوة، وهو ما يحدث منذ انقلاب سبتمبر، الذي حوّل البلاد إلى شبه دولة، لا تعرف سوى الفشل على كافة المستويات. فالشعب الثائر بحثًا عن حياة كريمة، وإدارة تنتمي إليه، وحقوق كاملة، وجد نفسه ضحية حسابات بينية للقوى المرتبطة بمصالح خارج إطار اليمن، سواء على المستوى الإيدلوجي، أو النفوذ الداخلي، كشوكة في حلق الدولة اليمنية، تثير القلاقل لإيقاف أي تقدم مأمول لمشروع قومي يعود بالفائدة على اليمنيين أجمع. هي ذاتها القوى التي دفعت بالحوثيين وصالح لوأد ثورة فبراير، تستخدم الطرفين اليوم للمناوشات التي تسد كل آفاق الحل للوضع القائم منذ سنوات.. وإلا لما طال أمد الحرب، وفاضت معاناة وألما. حتى الأمم المتحدة، لا تعدو عن كونها عربةً مسيّرة، للترويج عن الحالة اليمنية، منها للحصول على مكاسب مالية ضخمة من خلال الأزمات الإنسانية المتنوعة والمفتعلة من حين لآخر، تارةً باسم المجاعة وتارةً باسم الأوبئة القاتلة، وكلها وإن كانت حاصلة فإن مردود الحملات الأممية الإنسانية والمنظمات الدولية لا يصل منه سوى القليل، والقليل شاذ أمام احتياج الملايين لتدخل فعلي ينهي الأزمة ويضع المعالجات الملموسة بشكل عاجل. شهران على مشاورات السويد، تمخضت عنها اتفاقيات قابلة للتنفيذ، لكن شيئًا من ذلك لم يحدث، فالجميع يخوضون اجتماعات متعددة تمتد لساعات، في بحر الحديدة، وفنادق عمّان، ولا نجاح يتحقق، فجميعهم يدورون في فلك اللقاءات المطوّلة، وجديدهم المزيد من التعقيد، واصطناع أزمات فرعية تعقد الوصول إلى اتفاق نهائي، تمامًا كالذي حدث مع لجنة إعادة الانتشار في الحديدة، التي تعقدت مع كل خطوة تقوم بها، حتى وصلت إلى نقطة أعادت الأمور إلى بدايتها، وكأن كاميرات لم يفعل ما يشفع له بالاستمرار، والحقيقة المغبونة أن الرجل وصل إلى قناعة عدم فاعلية هذه القوى وقدرتها على الوصول إلى رؤى جامعة تحت راية الإنسان، والحكم ذاته على لجنة تبادل الأسرى، التي وجدت نفسها ضحية تملص يومي من الحوثيين، إضافة لسوء الإدارة من الحكومة الشرعية، وما بينهما انعدام الحيلة الأممية لدفع الطرفين نحو توافق ينهي آلام آلاف الأسر في شطري الوطن، يبحثون عن معيليهم وأبنائهم منذ بداية الحرب. في الإطار العام، تظل الأزمة اليمنية في أوج تعقيدها، لا طرف يرنو لحل عاجل، ولا لاعب إقليمي من مصلحته توصل رأسي الأزمة إلى حل نهائي، ولا الأمم المتحدة تملك القدرة على توصيل الجميع إلى اتفاق ملزم يُترجم عمليًا ضمن سياق زمني ومراقبة شديدة، وأسوأ من ذلك أن المنظمة الأممية تختلق الصعوبات لتعقيد الأزمة أكثر، لتظل اليمن دولة مشتعلة على الأقل بما يضمن لها وللقوى الدولية الحصول على فوائد جمة من دول النفط التي لا تعرف ما سيحدث لها مستقبلًا أن بقيت اليمن في دوامة صراع دائم ومستعصٍ على الحل.
محمد علي محروس
لا حل في الأفق 845