فروق كثيرة تكاد تختفي بين الذكور والإناث في حمى ما يسمى بالتمدن. ربما لا تشبه تلك الفروق التي تلغيها ميليشيا الحوثية بين الرجل والمرأة في معسكرات الموت، حين تقضي على طابع الأنثى من الرقة والرحمة وتدمغه بالقسوة والعنف. لعل أكثر مظاهر هذا التقارب، في الملابس وبعض التصرفات والاهتمامات الذي فرضها الواقع على الجنسين. حين قابلتها، كانت ترتدي ملابس فتى؛ تحمل على ظهرها حقيبة وفي يدها آلة تصوير حديثة. لولا رقة صوتها، وملامح الأنثى، لحسبتها شابا يافعا. تتحرك بثقة وتقوم بعملها باقتدار. قالت لي إن هذا المظهر الذكوري يقيها التحرش بها كأنثى. في دقائق، سردت لي مشاهد حياة لها في اليمن؛ تناقض هذا المظهر المتمدن الذي آلت إليه بعد اغتراب. كم صارعت وعانت كي تكمل تعليمها خارج اليمن في التخصص الذي تريده؛ خاصة وهي فتاة يمنية من بيئة اجتماعية تمنع التعليم عن الفتيات في سن معين، ناهيك عن السفر منفردة. تبدو فخورة بالحق البسيط الذي وصلت إليه. فالحقوق التي تنتزع بصعوبة بالغة وتعب مضني تعد انجازات خارقة في نظر أصحابها، وأمور تافهة في نظر آخرين. تتفاءل بأن كل الصعوبات التي قد تواجهها في مستقبل حياتها لن تكون شيئا بجوار تلك التي قد مرت. في الغربة، ستتعرف على نماذج مختلفة من الفتاة اليمنية لا تشبه فتاة الداخل في طموحها أو اهتماماتها أو مظهرها. ستجد فتاة كسرت حاجز البيئة، وخرجت إلى العالم الواسع بكل متطلباته، وفرضت نفسها ضمن أحداثه. فروق هائلة تحدث تلقائيا في ابنة اليمن ما أن تخرج خارج موطنها للدراسة أو الاغتراب. قد تبدو هؤلاء الفتيات للبعض كنقاط ناصعة البياض في سيل المرأة اليمنية كالح سواد الحال؛ وقد تبدو لآخرين نقاط سوداء في بياض الهامش واللاوجود .. تختلف نظرة أفراد المجتمع للمرأة بحسب التفكير، منغلقا كان أم منفتحا، نحو فقه الواقع ومجريات العصر. لكننا في النهاية، نسلم أن هناك نساء صرنّ أضواء مشعة في سماوات غير سماء اليمن، بفضل التشجيع وهذا الانفتاح الذي يخافه الكثيرون. نساء وفتيات مثّلنّ نماذج تميز وحضور قد لا يأتي على طبق من فضة، كما يقال. بل هي قصص كفاح مؤلمة، السعي فيها كان حبوا على أشواك الطموح. الفرص لا تأتي هكذا، أو توهب كرما. إنما تُصنع، أو تُنتزع. والكثير من جواهر المواهب والقدرات، دُفنت تحت تراب الخوف والخشية، وتراكم أوساخ البيئة والتقاليد، ليغمرها أخيرا الاستسلام لواقع الحال.
فكرية شحرة
يمنيات في الغربة 1 1064