التعليم في أي بلد هو بمثابة حمض "دي ان ايه" المسئول عن شكل وهوية الشعب، وعادة ما تأتي مناهج التعليم لتجيب على التساؤلات الكبرى: من نحن، وماذا نريد، وكيف نحقق ما نريد على مختلف المستويات؟ وإذا كان الفرد هو وحدة صرف الأمة فإن التعليم هو المؤسسة المسؤولة عن صك هذه الوحدة، ومنحها الشكل، والقوام، والملاح، ومستوى الحضور والتأثير. حقيقة تدركها الخلية التي تتولى مهمة التخطيط لمليشيات الحوثي المتمردة، ورسم سياساتها التخريبية، في اليمن، وذلك ما تؤكده المعطيات على الأرض. حيث عمدت مليشيات الحوثي منذ اللحظة الأولى لسيطرتها على مؤسسات الدولة إلى استهداف العملية التعليمة بأركانها الاربعة: "المناهج، الطالب، المدرس، الادارة التعليمية"، تمهيدا لإحلال فكرها الطائفي، ونظرتها السلالية الضيقة والعدائية للناس والحياة، وهو توجه في منتهى الخطورة على الهوية الوطنية، والسمات الأساسية للشخصية اليمنية الضاربة بجذورها في اعماق التاريخ. توجه يستهدف الفكر، والعقل، كما يستهدف قيم الحرية، والعدالة، والمساواة، ويعيد فرز الناس بناء على خرافة الولاية، والنطف المقدسة العابرة للزمان. ومع مرور الوقت صارت معركة ضرب المليشيات الحوثية لهوية الشعب اليمني، وتفخيخ مستقبله، أكثر وضوحا، حيث تم تعطيل العملية التعلمية في مناطق سيطرة الانقلاب، وإخضاع الكثير من الطلاب والمدرسين لدورات طائفية مقيتة، تعادي الحياة، وتخاصم الإرادة الحرة، والفكر النير، والرأي المستقل، وتتبنى مشروع هدم المدارس وبناء المتارس.. تخريب ونهب المصانع، وافتتاح وتوسعة المقابر، والزج بعشرات الآلاف من الأطفال إلى محارق الموت. إن مصير الحرب مهما طالت التوقف في يوم ما، ولحظتها يمكن أن يسري نوع من المصالحة، وجبر الضرر، والتوافق حول جملة من الثوابت والخطوط العامة لاستئناف الحياة في مجالاتها المتعدد، لكن الحرب التي تطال التعليم اليوم ستظل تداعياتها الكارثية تطوق عنق الشعب، وتقيد حركته، وتلوي خطاه. الأمر الذي يضع الشرعية أمام المزيد من التحديات، فهزيمة المليشيات الحوثية عسكريا؛ وحده لا يكفي، بل هي معركة شاملة، على صعيد الأمن الفكري، والثقافي، والتربوي، والعسكري، والأمني. ما لم فإن التجهيل القائم، والفكر المنحرف سيتحيلان إلى ثقوب سوداء تلتهم اليمن حاضرا ومستقبلا.
خالد العلواني
مخاطر مليشيات الحوثي على العملية التعليمية 813