نحن نحتاج أن نبحث بوعي من هو الإرهابي الحقيقي؟ هل كل مغالٍ في الدين والحياة إلى حد التطرف هو إرهابي؟ أم أن كل مغالٍ ضد الدين وضد التنوع في الحياة إلى حد التطرف هو الإرهابي؟ الإرهابي هو الجاهل في كيفية التعامل مع المختلف، وهو التطرّف والمغالاة في هذا التعامل، هو كل من يقرّر ويحكم بالموت لكل مختلف عنه، ومعارض له، من دون حق قانوني، فيعاقب ويحاسب الآخرين، من دون نص قانوني، أو إجراء قانوني، هو كل من يحاكم وينفذ الحكم خارج إطار النظام والقانون. هنالك إرهاب النظام السياسي المستبد الذي لا يقبل الحرية، ولا الديمقراطية، في تقبل الآخر، وهنالك إرهاب الجماعات والأفراد والتطرّف في التعامل مع الآخرين، إرهاب يبيح قتل الآخر. المؤسف اليوم أننا نشهد تزييف الحقائق، وتسمية أشياء بغير مسمياتها، في حملةٍ رعناء ضد الحركات الدينية والسياسية التي تمارس نشاطها بالعلن، لها برامجها ووثائقها المعلنة، قد نختلف مع توجهاتها، مع أدبياتها، بشرط أن لا يصل هذا الاختلاف إلى حد العداء، من أي طرف، إلى حد التكفير، أو التخوين، إلى حد التحريض للاجتثاث، ثم القتل. هنا يكون قد وصلنا إلى حد الغلو في التعامل، والتطرّف في العلاقة، هذا الغلو والتطرّف الذي يبيح القتل هو الإرهاب بذاته، وصاحبه هو الإرهابي. يقولون الدين معاملة، رسالة سامية وفكر تعايشي، فيه الحب والتسامح والعطف والوفاء والإخلاص، فيه التكافل وحسن النيات، يحرم الموت وسفك الدماء، وهتك الأعراض، "لهدم الكعبة حجرًا حجرًا، أهون من قتل المسلم"، حديث شريف. الرسول عليه الصلاة والسلام تعايش مع اليهود، وجاورهم، الله في كتابه حدَّد أسس التعامل والعلاقات والحساب والعقاب، القرآن الكريم دستور حياة ينظم يشرع العقاب لكل جريمة، ويعتبر المذنب بريئا حتى تثبت إدانته، وهكذا القوانين الوضعية. المشكلة ليست في التشريع، ولا في القوانين السماوية والوضعية. المشكلة في التنفيذ، في البشر اللذين يتصرّفون خارج النظام والقانون والشرع المعمول به، بل يخترقون ذلك كله، يمارسون الإرهاب على الارض، كان إرهاب سلطة، أو إرهاب جماعة، أو إرهاب فرد. إذا الإرهاب جهل في تنفيذ القوانين والتشريعات، وغلو في التعامل مع الآخرين، ومعارضتهم، الإرهاب فكر متطرف، يرفض قبول الآخر، نفسية مريضة، تحتاج لعلاج نفسي وفكري، العنف كمقاومة في هذه الحالة يزيد من حجم هذا التطرف، وينتشر كالسرطان في جسم الوطن، لأن الفكر الظلامي تحتاج مقاومته فكراً تنويرياً، والغلو يحتاج لسعة صدر ومواجهة الحجة بالحجة، يحتاج لانفتاح ومساحة من الحرية لتنافس هذه الأفكار، حيث يدحض الفكر الصحيح الفكر الضال على أرض الواقع، بحيث لا يترك للتطرّف فرصة السرية التي من خلالها يسري بين أوساط المجتمع بسريةٍ تامةٍ، بحجة المنع ومحاصرة الفكر، حيث كل ممنوع مرغوب. الإرهاب هو صك غفران للوطنية الزائفة في محاربة الفكر المختلف والآخر، هو تحريضٌ وتحشيدٌ ضد الآخرين، وإغلاق منافذ الحرية متنفسا فكرياً وثقافياً وسياسياً للآخرين، يعبرون عن مكنوناتهم، هو الحد من تنافسٍ شريفٍ ونظيفٍ في ساحة متاحة لكل الأطراف بسلام وتعايش ووئام. هذا التنمر والتوحش تجاه الآخر هو الإرهاب بذاته، نشحن الناس إرهاباً ضد الآخر، نربّي ونعلم بطريقة خاطئة نفوساً مريضة إرهابية، وكلما أغلقنا منافذ الحرية هيأنا للإرهاب الفرصة ليمارس هوايته في تزييف عقول البشر بسرّية، وتفريخ إرهابيين تجاه الآخر. يأتي هنا دور التعليم والثقافة، في زرع الثقة في نفوس الجيل الجديد، ليكون جديراً بالاحترام، وعصياً على التزييف، جيل خال من الشحن والتحريض ضد الآخر، والتكتلات السلبية المدمرة للتنوع البشري، جيل يقبل الآخر كما هو، لا كما يريده أن يكون.
أحمد ناصر حميدان
من هو الإرهاب؟! 1316