إذا كنت حريصاً على الحديث بلهجتك ولكنتك سيسألك أي شخص وأنت تتجول في القاهرة: من أين أنت؟ وسيثير شفقتك الوطنية الردود على إجابتك أنك يمني.. الجميع يدعو لوطنك بالفرج؛ الجميع حزين لما يحدث في اليمن والكل مصدوم لحالة التشرد التي يعيشها هذا الشعب الطيب؛ الجميع متعاطف لما صنعته الحرب فينا. "طيارة العيانين" صارت تحمل الفارين والمشردين والنازحين بتقارير طبية أيضا. تحمل السياسي الهارب والإعلامي المطارد والجريح الذي يتعالج؛ ومئات من الأسر التي تبحث عن حياة سهلة بعيداً عن وضع اليمن الصعب. "ربنا يفرج عنكم ويردكم إلى وطنكم". عبارة تهطل لها دموع القلب بصمت وتلحقها لعنات سرية على كل من أوصل اليمن إلى هذا الحال المزري الذي آلم القريب والبعيد. تظل غريبا حتى بين أناس كأهلك يحملون كل التعاطف لوضع وطنك. في تجوالنا في شارع طلعت حرب كنا أسرتين يمنيتين دخلنا مطعم صغير في ركن إحدى البنايات لتناول العشاء. كان المطعم حميميا كمنزل شخصي يصدح فيه صوت أم كلثوم وابتسامات صاحبته وهذا الذي أكد عليه "عمر" أن المطعم منزل لسيدة أسمها سمية تطبخ لضيوفها ما تريده هي فلا قائمة طعام ولا برتوكولات مطاعم. تتناول طعامك الذي تقدمه كأنك في منزلك وتدفع ثمن طعام كأنما صنعته أمك. سمية سيدة سمراء ممتلئة لها ابتسامة لا تفارقها وهي ترحب بك بحفاوة مبالغة. كان عشاء منزلياً شهيا جعل "عمر" يمتدح طبخ السيدة وينقل إليها أعجاب الجميع بما فيهم الأطفال بما تقدمه وكالعادة سألتنا: من أين أنتم؟ وكالعادة كانت الإجابة محط سيل من الدعوات لليمن وأهل اليمن وعبارة "قلوبنا معكم" البساطة المصرية وكل الروابط بين شعبين اختلطت دماؤهما في ثورة اليمن وكل ما قدمه الشعب المصري لليمن من تعليم وتحرير تجلى في ملامح سمية وهي تدعو لليمن وتقول أنتم ضيوفي في بيتي هذه الليلة. محاولات دفع فاتورة الحساب كانت أشبه بإهانة لهذه السيدة التي بزّت القَبيلة اليمنية بكرم مصري خالص. موقف بسيط أثار فينا مشاعر مختلطة من الإعجاب والحزن والامتنان لتصرف قد يكون عادياً لكنه أثر فينا كثيرا. شهامة المصريين التي لم يفسدها بعض المستغلين لجهلك بالتعامل معهم مثلها تصرف سمية وهي تكتب على فاتورة الحساب كلمات عن عودة سعيدة وقريبة لوطننا وصورة التقطناها جميعا لذكرى جميلة ستظل محفورة في قلوبنا جميعا لسيدة رائعة مثلت لنا مصر كلها.
فكرية شحرة
في مطعم سمية المصرية 1026