شكّلت العبارة الواردة عنواناً لهذه المقالة جواباً سهلاً تجده كلما انتقدت سلوكاً مشيناً يصدر من أحد شبابنا ، وسأجعل الحديث عن صدقيتها من عدمه متأخراً ، وساتحدث عن الحالة التي تدفع الناس لتبني هذه المقولة . هذه المقولة تمثل سلوكاً نمارسه أشخاصاً وجماعات ودولا وأمماً ، وهو "الهروب نحو الأمام" ومن إسمه يظهر جلياً أنه السير باتجاه خاطئ على اعتبار أن الهروب منطقياً يكون للخلف . يقول د عبدالكريم بكار عن هذه الظاهرة "الهروب إلى الأمام يعني الفرار من تحمّل مسؤولياتنا وواجباتنا في اتجاه الإيحاء بأننا نقوم بعمل أكثر أهمية، أو في اتجاه مقاومة خطرٍ أشد، وقد يكون الهروب إلى الأمام وسيلة لاستدرار عطف الآخرين، أو الكيد لهم" . وأضيف أن الهروب إلى الإمام هو القفز على الحقيقة واختراع أوضاع جديدة تبريرا لتقصير ما ، وتجاوزاً لخطأ قاتل ، أو الانتقال لوضعية الهجوم المعاكس ، وفقط في هذه الحالة يصبح ذا جدوى ، ونادراً ما نمارسه في هذا الاتجاه .. واقعياً نحن نمارس هذه السلوك ببراعة شديدة ، بل نبدع في هذا الهروب بكل أنواعه و أشكاله و صفاته و مميزاته ، بل أن الغريب في الأمر أن لدينا القدرة على تكييف الهروب ليصبح عملا ينم على الجراءة و الإقدام ، بل و ربما المروءة . كأمم وشعوب كلما تحدثنا عن إخفاقاتنا أرجعنا كل الأسباب لنظرية "المؤامرة" فالشرق والغرب يكيد لنا وليس لنا من الأمر شئ !! وهكذا ببساطة نستسلم في حين أن بايدينا أن نفعل الكثير كل في سلوكه ومحيطه ودائرة تأثيره ، ومع كون التأمر موجودا وليس من العدل إنكاره لكن بأمكاننا أن نفعل الكثير ، وليست المؤامرة هي الشماعة التي نرمي عليها كل اخفاقاتنا . في واقعنا السياسي والاقتصادي حين يخفق القائمون على الشأن العام يهرب كل منهم في إتجاه ، فتراهم يتحدثون عن تأثير مراكز القوى في افشالهم ، والتآمر من قبل قوى المعارضة، وفساد المنظومة ! ، والتأمر الكوني ، وغيرها من المبررات التي نسمعها في واقعنا بشكل مكرر وممل يتجاوز سماعنا لذكر إنجازات تؤكد بذل الجهد في تجاوز هذه العقبات . في حياتنا الأسرية والاجتماعية نعزوا كل الظواهر السلبية التي تظهر في محيطنا أو أسرنا لقضايا كبيرة تتجاوز حدود سيطرتنا ، فالانحراف سببه الفضاء المفتوح ! والفضاء المفتوح ليس بأيدينا اغلاقه ، وبالتالي أهملنا محددات الدين ، والعفة ، والأخلاق ، وتهربنا من تحمل مسؤلية التوجيه والتقويم والتربية والإرشاد ، وهرولنا نحو الأمام غير الممكن التحكم به نرمي عليه سلبياتنا . "زوجوه يعقل" غالباً ما يقدم المجتمع هذه النصيحة كلما لاحظناً سلوكا منحرفاً لأحد شبابنا ، وبالتالي نحن نهرب للأمام ونرمي التهمة جزافاً على غير الفاعل ، وواقعياً لم يكن الزواج طريقاً للإصلاح لكنه بالتأكيد طريقاً للعفة لمن يبحث عنها ، ومن يبحث عنها لن يدنس اخلاقه بسواها، ولو عاش عزباً . دمتم سالمين ..
موسى المقطري
زَوِجُوه يَعْقُل 1101