هل يمكن القول إن المشروع القومي العربي قد مات، أو في نزعاته الأخيرة للموت، ونحن نشاهد بكل بجاحه مشاريع تقسيم المقسم تتصدر المشهد العربي، مشاريع طائفية ومناطقية، وتجد لها قبول ومبررات، وكتاب ومثقفين وسياسيين، واعلام يروج لها بكل بجاحة، ويتهم ويخون القابضين على مشروعهم القومي والوحدة الوطنية على طريق الوحدة العربية، ونحن نشاهد مشاريع استعمارية اقطاعية تعود من جديد لتمزيق الامة بمسميات عدة . بالثورات التحررية خرج الاستعمار وقامت جمهوريات شعبية وديمقراطية، وبقي أعوانه ينخرون هذه الجمهوريات الفاقدة للحرية والديمقراطية، والتي عجزت في ترسيخ دولة للمواطنة والعدالة الاجتماعية، جمهوريات كلما استقامت وبدأت تنهض، تضرب في صميم قواها الوطنية، بمسميات عدة ومبررات هزلية، واذا بنا في جمهوريات دكتاتورية استبدادية، بدلا من الملك صنعنا ملوك، والأمير أمراء، والإقطاعي اقطاعيات، حتى تبجحت هذه الانظمة لتعلن دون خجل واستحياء عن توريث السلطة، وكان الربيع العربي الذي مثل غضب جماهيري على واقع مشوه لأنظمة عربية لا تلبي قناعات وطموحات وتطلعات الشارع، بل مجموعة من اللصوص والفاسدين والعملاء، اتضح انهم وكالات للاستعمار الذي ناضل الانسان العربي للتحرر منه . ونحن في اليمن جزءا من هذا المشهد التراجيدي، والكل يعرف من هي تلك الدول التي قدمت الدعم المادي والمعنوي لهذه الوكالات وضرب القوى الوطنية الحق، من قتل الرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي، ومن دعم استيلاء فكر واحد على السلطة في الجنوب ليقصي بقية المكونات، ويتربع السلطة على جماجم شركائه في النضال، كل هذا جعل من الجنوب ساحات صراعات وثارات وانتقام، خلف تراكمات اضعف النسيج الوطني، وفرض امر واقع وحدة اندماجيه فيها القوى الوطنية النقطة الاضعف امام جبروت القوى التقليدية، التي التهمت تلك القوى بعد حرب 94م المشؤمة، مما خلف نظام صالح الذي جعل من الفاسدين أدواته والمخربين حلفائه، والقوى الرجعية المتخلفة دعمه وسنده، والإرهاب سوطه في معاقبة الخارجين عن طوعة . لم تستسلم القوى الوطنية، خاضت نضال شرس مع هذا النظام، والكل يعرف الحوار والمناورة، والانتخابات وتفريخ الأحزاب، وتسوية الملعب السياسي، والتعديلات الدستورية، والاستفتاء، والتكتلات،اللقاء المشترك والشهيد جارالله عمر، وديكور أحزاب التوافق الوطني، مخاض كان له نتائجه الطيبة على البعض والسيئة على البعض الآخر، كان هناك المهزوم الذي لم يقهر، وأعاد ترتيب أوراقه وتحالفاته محاولا الاستقامة، وهناك المهزوم الذي قهر وشرخ في داخله مشروعة وقيمة ومبادئه، وصار مهووس في العودة للماضي الذي كان فيه متسلطا، العودة للإقطاعيات التي كان فيها متحكما . انهار اركان النظام، و وجدت الظروف الموضوعية والذاتية، لترسيخ الدولة الاتحادية، التي سيكون فيها الجميع شركاء، دولة النظام والقانون، سيجد كل اقليم استقلالية واسعة في السلطة والثروة، دولة ستحطم تلك الإقطاعيات وذلك النفوذ، وستؤسس لدولة المواطنة والنظام والقانون الذي ينشده الجميع، وماذا بها تصطدم بالمقهورين والمهووسين بالماضي والعودة للخلف، للتشطير على أسس مناطقية وطائفية، لا تستند على قيم ومبادئ ديمقراطية وشراكة، بدليل انها ترفض الحزبية، أهم أداة سياسية للديمقراطية، كانت في طريقها للتنمية، وإصلاح كيانها لتلبي ديمقراطية شعبية، و ترفض الآخر المختلف الذي هو الشريك في هذا الوطن، تعلن عن اجتثاثه، بل تكفير من يعارض مشروعها، مقهورين بهوس فتح مجال لكل المشاريع الاستعمارية والاقطاعية لتعود للسطح بمسميات اخرى وأشكال منمقة، وعادة الرجعية لتمسك بزمام الآمر، تبحث هنا وهناك عن مقاولين لمشاريع تمزيق وتفتيت الامة، عادة لتشكل معسكرات وقوات مسلحة، تحت امرتها، وصحف وصحفيين ومثقفين وأدباء ونقابات ودولة في خاصرة الدولة الاتحادية الضامنة للمواطنة، وعدنا لنقطة الصفر في مخاض وطني فيه ان نكون او لا نكون، ولازال المخاض مستمر ان نكون تابعين ومرتهنين دون سيادة ولا ارادة مجرد ادوات نتشبه بهم في الشكل دون جوهر حقيقي لشخصية اعتبارية مستقلة، او نكون امة كسائر الامم محترمه بشخصيتها الاعتبارية اليمنية تاريخ وحضارة ومكانة .
أحمد ناصر حميدان
مخاض المشروع الوطني 1269