قال تعالى:(( لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ* إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ)). (7) في سورة قريش تصريح مباشر أن الله أمر قبائل قريش وحكّام تلك البلدة في أثناء نزول الوحي وسجل ذلك في قرآن يتلى بأن يعبدوا الله وحده لا شريك له، لينتشلهم من مستنقع العبودية لما دون الله الأصنام والأنداد حول الكعبة إلى عبادة الواحد الأحد، قال تعالى:" فليعبدوا رب هذا البيت" والبيت هي الكعبة المشرّفة، في ذلك المكان المخصص المقدّس، والأمر يشمل كل من جاء بعدهم في ذلك المكان على مرِّ التاريخ حتى آخر الزمان، فحصر -سبحانه- عبادة العباد لرب هذا البيت لا بيت سواه البتة، فلا بيت كسرى ولا قيصر، ولا أبرهة، فضلا أن يكون بيت ملكي، أو أميري، أو بيت شرقي، أو غربي؟! إنها توجيهَات ربّانيّة واضحة قاطعة حاصرة مانعة" فليعبدوا رب هذا البيت" فالله هو رب الكعبة والحرم كله، والكون كله، وهو الخالق الرازق المتفضل عليهم، حقق لهم الاكتفاء الغذائي، والتأمين الصحي، والاطمئنان النفسي، منَّ عليهم بالإطعام والرخاء فلا جوع، وبالاستقرار والحماية فلا خوف. (8) السّورة حاسِمة جَازمة في تحريم عبادة غير رب الكعبة، في كل زمان ومكان، فلا توجّه إلى بيت أحمر، ولا بيت أبيض، ولا بيت أخضر، إنما التوجّه يكون إلى البيت الرّباني في مكة المكرّمة، رب الحجر الأسود والركن اليماني، بدلالة "فليعبدوا رب هذا البيت"، والعبادة لا تكون إلا لله وحده، بلا شريك له من الإنس أو الجن أو الملائكة، ولا أنداد من الأحجار والأشجار، ولا أشخاص من العرب والعجم وسائر ما خلق الله. (9) فالإطعام من الجوع والتأمين من الخوف مربوط بعبادة هذا البيت لا بيت غيره، وأي ذهاب إلى عبادة غير هذا الرب المنعم المتفضل، أو تقديم السمع والطاعة لدين غير الإسلام، وشريعة غير شريعته، وهدى غير هدي رسوله والخلفاء الرشدين، فهو البحث عن الطعام والأمان من غير الله، معناه العودة بالأمة الى سياسة المشركين وجاهليتهم القرشية، وإلى الشرقيين والغربيين وظلالاتهم، والمنافقين من الأعراب والأغراب المشاقين لله ورسوله. (10) يقول صاحب الظلال - رحمه الله- في هذا المعنى: " ما كانت قريش تجهل قيمة البيت وأثر حرمته في حياتها. وما كانت في ساعة الشدة والكربة تلجأ إلا إلى رب هذا البيت وحده. وها هو ذا عبد المطلب لا يواجه أبرهة بجيش ولا قوة. إنما يواجهه برب هذا البيت الذي يتولى حماية بيته! لم يواجهه بصنم ولا وثن، ولم يقل له.. إن الآلهة ستحمي بيتها. إنما قال له: " أنا رب الإبل وإن للبيت ربا سيمنعه".. ولكن انحراف الجاهلية لا يقف عند منطق، ولا يثوب إلى الحق، ولا يرجع إلى معقول"(6/ 3983). يتبع(3).