نتساءل لماذا تظهر أحياناً تحليلات أو تصريحات غربية صادمة بشأن الأحداث في اليمن؟ تحضرني بعض الأفكار التي اعتقد أنها قادرة على فهم هذا الأمر سأعرضها على النحو التالي: أولاً: هناك كسل معرفي لدى بعض الباحثين الذين استيقظوا لتلبية حاجة الإعلام بشأن اليمن ويتحدثون ويكتبون في الشأن اليمني يقودهم هذا الكسل إلى تبسيط واختزال الوقائع في اليمن إلى ثنائيات: زيدي - شافعي، شمال - وجنوب، صراع بين السعودية وإيران. ثانياً: إن هناك تعامل مع الوضع باعتباره ازمة مزعجة تزيد من تعقيدات الحياة في الدول الغنية وترفع من أسعار النفط ويتم فصلها عن سياقها التاريخي القريب أو البعيد ومن سيرورة الأحداث في اليمن وأبعادها الأخلاقية الخاصة بقيم الحرية أو التطلعات المشروعة نحو التغيير والديمقراطية والمساواة. ثالثاً: هناك تصورات حتمية تجاه بعض الشعوب منها أن اليمن بلاد قبلية ويفضل أن تبقى كذلك (متحفا حياً) وهي غير قابلة لأي تغيير (إلا عبر الاستعمار الذي لم يحظ شمال اليمن بهذه النعمة وسبق أن سمعت هذا الحديث المبتذل من احدهم في اليمن قبل سنوات).. بالتالي الحوثي هو المعبر والممثل المناسب لهذا البناء وينبغي الحفاظ عليه. رابعاً: إن اليمن بلد مغلق بحكم الواقع. مغلق على أهله وخطر على الأجانب. وإن حضروا فيتعرضون لمخاطر أقلها الاعتقالات والتعذيب ولهذا يتحدث كثيرون عن اليمن رجما بالغيب واعتمادا على إخباريين وهؤلاء يمنيون انقسموا ككل اليمنين الى فسطاطين وينقلون رؤاهم وانطباعاتهم إلى الغير. أهم من هذا، أن الحوثي لم يظهر إلى حد الآن خصما أوعدواً أو مصدر خطر للغرب.. فهو يهدد حياتنا ويقتلنا نحن ويعبث بدولتنا ونظامنا وقيمنا ويفرض علينا خياراته الطائفية ورؤاه العنصرية. ولهذا من يتحدث بتزييف الواقع إنما يفعل لجهل وقصور أو يفعل لحاجة في نفسه خصوصا وأن السعودية - ذات الصورة السيئة في الغرب والتي لا تنقصها العداوات مع أوساط ثقافية وإعلامية واحيانا سياسية غربية- تصدرت مشهد الاحداث في اليمن. فكل من لديه أو يضمر حسابا مع السعودية وجد في الملف اليمني مناسبة لتصفيته. هذا شأنه والموضوعية العلمية منهجيا لها حدود. لكن نتائجها في الشأن اليمني تسفيه تضحيات وتطلعات اليمنيين وجهودهم للخروج من هذا النفق التاريخي المظلم المتمثل بنظام كهنوتي يحط من قيمتهم الحضارية. طبعا هناك أفكار تأسست وكأنها بديهية وهي أن اليمن خارطة قبائل تعيش في المرتفعات الجبلية وما دونها ليست اليمن الأصلي وتم تجاهلها في الدواسات الاجتماعية والسياسية ويصعب الآن الخروج عن هذا الإطار وإقناع المتلقي الغربي بشيء قد ألفه. حديثنا هنا لا يغفل التنويه إلى شخصيات غربية - لا يتسع المقام هنا لذكرها اسما اسماً - دارسة للشأن اليمني جادة في دراستها وتعرف الواقع عن قرب وأهدرت سنوات من الجهد والمثابرة لمعرفة اليمن، لكنها لا تحظى بحضور إعلامي كافٍ وينبغي شكرها على جهودها وصدقها مع نفسها ومع اليمنيين.
مصطفى الجبزي
عن تسفيه نضال وتضحيات اليمنيين! 1008