عن أي ثورة نتحدث اليوم، ونحن لا زالنا قابعين في ماضينا، غارقين في وحله النتن، استحالت أن نوجز تحريراً دون أن نتحرر نحن أولاً، التحرر يحتاج وعي ينجزه، دون هذا الوعي لن نستطيع أن ننتج تحريراً بل تحريكاً للمستنقع يقذف إلى السطح بمزيد من الكسور والوحل والرداءة، ولن يؤدي ذلك التغيير سوى لأشكال أخرى من العنف والقمع والتسلط والهيمنة والتخلف والجهل والعبث. العبث اليوم بعدن كغنيمة حرب وأرض سكني تجاري، هو نتاج لتلك الاستحالة، عبث مؤسسي لمكونات أفرزها ذلك المستنقع، مخطئ من يعتقد أنها تصرفات أفراد بل هي ثقافة وسلوكيات مؤسسة العصبية وقواها الطارئة المثقلة بالأحقاد والضغائن والثارات، وتثقل كاهل الجيل الجديد بكل هذا العفن الذي تحمله، هكذا مكونات لاهي ثورية، ولا قادرة أن تنتج لنا تغيير يذكر، والدليل واضح فيما تقدمه على الارض، من وحل وكسور وشظايا الانفجارات التي تحدثها. جريمة من يراهن على العنف، ولن يقبل الشرفاء تكرار الماضي وصراعاته السلبية، سئم المواطن خطاب الكراهية والتحريض والحشد والتكفير واتهام الآخر، سئموا احتكار طرف دون غيرة لشئونهم وأمورهم، سئموا تكرار المشهد البائس ومنظمات المجتمع المدني من نقابات واتحادات تنشئها تلك المكونات لأهداف سياسية أكثر مما هي إنسانية وحقوقية، سئموا تشويه كل شيء حتى المشهد الثقافي والمثقف وهو ينجر خلف الجهل والعصبية والقبيلة والعسكر ليكن أداة من أدواتها. الناس تنتظر شيئاً جديداً، وعياً وثقافة وفكراً راقياً يعطيها أملاً وتفاؤلاً، شيئا يمكن الرهان عليه في تغيير حقيقي لواقعهم وحياتهم لحاضرهم ومستقبلهم، شيئا يتواكب مع وعي الناس وتطلعاتهم، هذا الوعي والتطلع يلفظ اليوم هكذا مكونات ويعزلها شعبيا، فلا يبقى حولها غير الواهمين، كما قال فولتير (الإنسان يبحث دائما عن الأوهام، لأنه أجبن من أن يواجه الحقائق). إنها مؤسسة العصبية والغباء تنتج المشكلات وتعقدها، حاضنة للعفن تنتج لنا طفيليات وفيروسات لمزيد من الصراع والتفكك والتفسخ القيمي والأخلاقي بل والسياسي، تنتج لنا مكونات مناطقية بحتة تخرج من رحم العصبية المقيتة. بالأمس كنا في مواجهة مكونات قادمة من عمق العصبية، لتعلم عدن العمل النقابي، عدن بتاريخها الغني بالإرث النضالي والنقابي والسياسي والثقافي, عدن اشعاع ثقافي وفكري أنار عقول البشر في الصحارى والبرارى والجزر والجبال في المنطقة لنصف قرن بعد الاستقلال، وبعد خمسين عاما يأتي مثل هولا لحقن عدن بالعصبية والخبرات القادمة من مناطقها، لتغلق مدارس عدن بتجهيل متعمد لعدن وتغيير لخصوصيتها، بشعارات ظاهرها الثورية وباطنها العصبية، المؤسف إنها تجد من يصدق هذا النفاق . عدن الثقافة والعلم، اليوم تخدش ثقافيا وتشرخ وطنيا، في تشويه للمشهد الثقافي والأدبي فيها،في سلخ اتحاد الأدباء والكتاب من حاضنته الثقافية و الفكرية وهويته، وتعي عدن خطورة ما يحدث و وما تفرزه مؤسسة العصبية من سموم فيروسات تتطفل على هذا المشهد، ظاهرها الحرية والاستقلال وبعدها الباطني العصبية الضيقة العمياء. صحيح عدن في خطر، لكنها لن تستسلم للعصبية والمناطقية، ستقاوم وتنتصر وتلفظ كل من يعكر صفو الحياة فيها، ولن تسمح باستمرار هذه المؤسسة القبيحة ان ترسم قوانينها على الواقع وسعيها الدءوب لوضع المثقف تحت سيطرتها بفرض امر واقع عليه ان يتقبله، لتنتج مؤسسات وثقافة تخدم أجنداتها العصبية، ليسهل السيطرة والتحكم بعدن كغنيمة حرب وارض سكني تجاري للبيع.
أحمد ناصر حميدان
مؤسسة العصبية وعدن كغنيمة حرب 1180