خرجت بريطانيا من الجنوب وهو ممزق، فوحدته السلطة الوطنية، وكان ذلك منجز فتح أمام الجنوب فرصة بناء دولة مستقرة أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن بناء الدولة هي إرادة سياسية تصاحبها تفاعلات اجتماعية تدرك قمة الدولة في حياة الشعوب. السياسة التي تغرق نخبها في السلطة والنفوذ تجعل من الدولة مشروعاً مؤجلاً.. وكلما دفعتها شروط الحياة نحو الدولة اخترعت نماذج رخوة لدولة تكون مجرد تابع لسلطة ونفوذ ومصالح النخب المتنفذة تلك بلا مؤسسات ولا موقف يدعم حاجة الشعب إلى الحرية والكرامة والأمن والاستقرار. تجاوزت دولة الجنوب هذا النوع من الدول، وكانت دولة بقيم مكنتها من تجاوزت إشكاليات الدولة الرخوة. كانت أهدافها أكبر مما وفره الواقع من ظروف التحول، وكان المشروع الوطني هاجسها الذي راهنت عليه في ظروف كان الواقع فيه يتحرك خارج هذه الأحلام الكبيرة. ما أصعب أن يتحرك الواقع في متاهات تفرضها إشكاليات الحاجات اليومية بمعزل عن الأهداف الكبيرة. لا يجب أن نستصغر تضحيات الناس التي قدموها من أجل تلك الأهداف الكبيرة، كانت تضحيات ضخمة وعظيمة، لكن المشكلة هي أنه لم تسندها آمال قوية على أرض الواقع بإمكانية تحقيق تلك الأهداف، فكان أن غرق الجميع في الحلم الجميل الذي استطاع الآخر المناوئ أن يحوّله إلى كابوس بعد أن سيطر على مصادر القوة وأفرغ الدولة من قيمها. ستظل ثلاثين من نوفمبر عنواناً بارزاً يلهم اليمنيين حقيقة أن بناء الدولة ليست مسألة مستحيلة، غير أن الواقعية السياسية مسألة ملحة في معادلة الرومانسية الأيديولوجية. كل عام وأنتم طيبون أيها الأعزاء..
د.ياسين سعيد نعمان
ما بين الواقعية السياسية والرومانسية الأيديولوجية 1270