في الثلاثين من نوفمبر 1969م كان اليمنيون يسدلون الستار على أكثر من قرن من الاحتلال الأجنبي، وفي هذا اليوم الأغر كانت نضالات اليمنيين الممتدة من عام 1963م تتوج بمشهد أخر جندي بريطاني يحمل عصاه ويرحل، لترحل معه أوجاع تلك الفترة العصيبة التي حُرم فيها اليمنيون من السيادة على أرضهم وقرارهم. لم يكن الجلاء النهائي للمستعمر البريطاني حدثاً منقطعاً عما سواه من أحداث تلك الفترة، لكنه مثل نتيجة لمرحلة طويلة من النضال والكفاح شملت اليمن بشطريه يومئذ، ولم يكن اليمنيون من مختلف جهات الوطن ومخالفه يومها بعيدين عن أبجديات هذا النضال الممتد مابين عدن وتعز والضالع وابين وصنعاء، بل كانوا محركيه وسادته وحماته. رحلت المملكة التي لا تغيب عنها الشمس معترفة ومؤمنة أن الشعب اليمني ماعاد لقمة سائغة بيدها، وأن عدن حاضرة النضال لم تعد ترحب بوجودها، وأن البسطاء الذين كانوا يبحثون عن لقمة العيش في ميناء هذه المدينة تحولوا إلى أسوداً حين دعاهم داعي النضال، وأذاقوا المستعمر مرارة الكأس وشدة البأس. كانت وستظل ذكرى جلاء آخر مستعمر بريطاني وإعلان الاستقلال الكامل لشطر اليمن الجنوبي معلماً ومورداً تتعلم منه الأجيال أن الشعوب حين تطلب حريتها لا يوقفها حد، ولا تتنازل عن مطالبها حين تضحى المسالة تتعلق بسيادتها على أرضها، وأن المستعمر مهما استمر فإن للأرض أهلاً سيجعلون رحيله منها حقيقة مؤلمة، وسيقدمون لأجل ذلك التضحيات، وهذا ما حصل مع اليمنيين في الرابع عشر من أكتوبر عام 1963م، وكانت نتيجته الحتمية إعلان الاستقلال التام، ورحيل أخر جندي بريطاني في مثل هذه اليوم من العام 1969م، لتشكل السنوات الست بين الحدثين مدرسة نضالية قدم فيها الشرفاء أرواحهم رخيصة لأجل تحرير الأرض من المستعمر، وعانى الشعب كله كثيراً خلال هذه السنوات لأجل الوصول لهذا اليوم المجيد. يعود هذا اليوم واليمنيون يحملون البنادق من جديد ضد عدو من نوع أخر، وبشكل جديد ومتطور، يتمثل بجماعة سلالية تؤمن أنها الوحيدة التي يمكن لها حكم هذه الأرض، والاستئثار بخيرات هذا الوطن، وفي سبيل ذلك أعلنت الحرب على اليمن كل اليمن لتحقيق هده الغاية، فهب المناضلون من جديد للدفاع عن المكاسب التي تحققت ذي قبل، وعاد السبتمبريون والاكتوبريون ليحملون الراية من جديد في إلتحام شعبي لا يشبهه إلا ما حصل في عقد الستينات من القرن الماضي. لزاماً ونحن نعيش ذكرى الاستقلال الكامل لشعبنا في الجنوب أن نتذكر أن السيادة الوطنية والتحرر من المتحكمين بمصير الشعب والأرض هما ما يجب ان نركز على توطيده اليوم ونحن نناضل لاستعادة الوطن من أيدي الانقلاب، ولزاما كذلكً أن نتعلم من تاريخنا الحافل بروح الانجاز الثوري أن الثورات لا يكفي تحقيقها، لكن ينبغي حمايتها من المتسللين لواذاً، والمتسلقين من خلف الجُدُر، ودعاة الوطنية الذين يعلوا صوتهم حين نحتفل بالنصر، وكانوا قبله قابعين في غياهب الانبطاح متمرغين بذل الاستكانة ولابسين رداء الخذلان. الملتحم الذي تحلى به ثوار سبتمبر وأكتوبر وحققوا أمنياتهم في نوفمبر، أحوج ما نحتاجه اليوم هو إعادة تقييم الخطاب الوطني وتحويله نحو النموذج الجامع، كما أننا أحوج الى التخلص من لصوص الثورات الذين تسلقوا على منجزات المناضلين في شطري اليمن ثم لاحقا في دولة الوحدة، فوصلنا الى الحال الذي نحن عليه. كل نوفمبر وانتم بألف خير..
موسى المقطري
عن ذكرى الجلاء، والشعب الذي لازال يناضل 962